(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين ، وهدم منار الجاهلية وإبطال مناسكها وأن لم يحج معكم مشرك ولم يطف بالبيت عريان.
(وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يعنى اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضى وحده «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» اه.
(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) الاضطرار : حمل الإنسان على ما يضره وإلجاؤه إليه ، والمخمصة : المجاعة تخمص لها البطون : أي تضمر ، والمتجانف للإثم :
المائل المنحرف إليه المختار له ، أي فمن وقع فى ضرورة تناول شىء من المحرمات بسبب مجاعة تخمص لها البطون ويخاف منها الموت أو مبادئه حال كونه غير مختار للإثم ، بأن يأكل منه ما يزيد على ما يمسك به رمقه ، فإن ذلك حرام كما روى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة رضى الله عنهم.
وفى معنى الآية ما جاء فى سورة البقرة «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» أي فمن اضطر غير طالب له ولا متعدّ ومتجاوز قدر الضرورة فلا إثم عليه.
وإنما اشترط هذا لأن الإباحة للضرورة وهى تقدّر بقدرها ، وذلك نافع للمضطر أدبا وطبعا لأنه يمنعه أن يتجرأ على ما تعود فيه مهانة له وضرر.
(فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فمن اضطر إلى أكل شىء مما ذكر فأكل فى مجاعة لا يجد فيها غيره وهو غير مائل إليه لذاته ولا جائر فيه متجاوز قدر الضرورة ، فإن الله غفور لمثله لا يؤاخذه عليه ، وهو رحيم به يرحمه ويحسن إليه.
ولما كان الأصل فى الأشياء الحلّ ، لأن الله سخر لنا ما فى الأرض جميعا لننتفع به ، والمحظور علينا هو ما يضرنا ، ولكن الناس يتصدّون أحيانا لفعل ما يضرهم وترك ما ينفعهم ، كما كانت تفعل العرب إذا استباحت أكل الميتة والدم ونحوها من الخبائث وحرمت على نفسها بعض الطيبات من الأنعام بخرافات وأوهام باطلة كالبحيرة والسائبة ونحوهما ـ كانت الحاجة ماسة إلى بيان ما يحله الله تعالى مما حرموه بعد بيان ما حرمه مما أحلوه فقال :