أهل الكتاب ونسائهم إذا كن محصنات ، ثم أمرهم بالطهارة مع رفع الحرج عنهم ـ ذكر هنا ما ينبغى أن يكون من معاملتهم سواهم سواء أكانوا أعداء أم أولياء ، ثم ذكر وعده لعباده الذين يعملون الصالحات ووعيده لمن كفر وكذب بالآيات ، وختمها بذكر المنة الشاملة ، والنعمة الكاملة ، إذ أنقذهم من أعدائهم وأظهرهم عليهم ، وكانوا على وشك الإيقاع بهم ، ولكن رحمهم وكبت أعداءهم وردّهم صاغرين ، ليكون الشكر أتم ، والوفاء ألزم.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) أي ليكن من دأبكم وعادتكم القيام بالحق فى أنفسكم بالإخلاص لله فى كل ما تعملونه من أمر دينكم وأمر دنياكم ، بأن تريدوا بعملكم الخير والتزام الحق بدون اعتداء على أحد ، وفى غيركم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ابتغاء مرضاة الله.
(شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) الشهادة هنا عبارة عن إظهار الحق للحاكم ليحكم به ، أو إظهاره هو له بالحكم به أو الإقرار به لصاحبه ، وفى كل حال تكون بالعدل بلا محاباة لمشهود له ولا لمشهود عليه ، لأجل قرابة أو مال أو جاه ، ولا تركه لفقر أو مسكنة.
فالعدل هو ميزان الحقوق ، إذ متى وقع الجور فى أمة لأى سبب زالت الثقة من الناس ؛ وانتشرت المفاسد ، وتقطعت روابط المجتمع ، فلا يلبث أن يسلط الله عليهم بعض عباده الذين هم أقرب منهم إلى العدل فيذيقوهم الوبال والنكال ، وتلك سنة الله فى حاضر الأمم وغابرها ، ولكن الناس لا يعتبرون.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) أي ولا تحملنكم العداوة والبغضاء لقوم على عدم العدل فى أمرهم بالشهادة لهم بحقهم إذا كانوا أصحاب حق ، أو الحكم لهم بذلك ؛ فالمؤمن يؤثر العدل على الجور والمحاباة ، ويجعله فوق الأهواء وحظوظ الأنفس وفوق المحبة والعداوة مهما كان سببهما.