شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)» وتركها يوجب المؤاخذة والعذاب الشديد كما قال تعالى «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ».
وقد بين لهم موسى أصناف هذه النعم التي منحها لهم مولاهم وحصرها فى ثلاثة أشياء :
(١) وهو أرفعها قدرا وأعلاها ذكرا ، أنه جعل كثيرا منهم أنبياء كموسى وهرون ومن كان قبلهما ، وقد حكى ابن جرير أن السبعين الذين اختارهم موسى ليصعدوا معه الجبل حين يصعده لمناجاة ربه صاروا كلهم أنبياء ، والمعروف أن النبوة عند أهل الكتاب المراد منها الإخبار ببعض الأمور الغيبية التي تقع فى المستقبل بوحي أو إلهام من الله عز وجل ، وقد كان جميع أنبيائهم من بعد موسى يحكمون بما فى التوراة ويعملون بها حتى المسيح عليه السلام.
(٢) أنه جعلهم ملوكا ، والمراد من الملك هنا الحرية فى تدبير أمورهم وأمور أسرهم بأنفسهم ، وفى هذا من تعظيم هذه النعمة ما لا يخفى ، يؤيد هذا ما رواه أبو سعيد الخدري مرفوعا «كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكا» وما رواه أبو داود عن زيد بن أسلم «من كان له بيت وخادم فهو ملك».
ولا شك أن من كان متمتعا بمثل هذا كان متمتعا بنحو ما يتمتع به الملوك من الراحة والحرية فى التصرف فى سياسة بيته ، والناس يقولون إلى الآن لمن كان مخدوما مع عشيرته هانئا فى معيشته مالكا لمسكنه (هذا ملك ـ أو ملك زمانه) يريدون أنه يعيش عيشة الملوك.
(٣) أنه آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، أي عالمى زمانهم وشعوبه التي كانت مستعبدة للطغاة من الملوك ؛ فقد خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام ، فقد فلق البحر لهم وأهلك عدوهم ، وأورثهم أموالهم ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأظل فوقهم الغمام.
وبعد أن ذكّرهم موسى بهذه النعم وشرحها لهم ـ أمرهم بمجاهدة العدو ، وأبان لهم أن الله ناصرهم ما نصروه فقال :