فَوْقَكُمُ الطُّورَ» ذكر هنا أنهم نقضوا أيضا الميثاق العام الذي أخذه على بنى آدم جميعا وهم فى صلب آدم وأشركوا بالله وقالوا : عزير ابن الله.
الإيضاح
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى شَهِدْنا) أي واذكر أيها الرسول للناس كافة ما أخذه الله من ميثاق الفطرة على البشر عامة ، إذ استخرج من بنى آدم ذريتهم بطنا إثر بطن ، وخلقهم على فطرة الإسلام بما أودع فى قلوبهم من غريزة الإيمان اليقيني بأن كل فعل لا بد له من فاعل وأن فوق كل العوالم القائمة على سنة الأسباب والمسببات سلطانا أعلى على جميع الكائنات هو المستحق للعبادة وحده ، وأشهد كل واحد من هؤلاء الذرية الحادثة جيلا بعد جيل على نفسه بما أودعه فى غريزته واستعداده قائلا لهم قول إرادة وتكوين لا قول وحي وتبليغ : ألست بربكم؟ فقالوا بلسان الحال لا بلسان المقال : بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة ، فالكلام من قبيل التمثيل ، وله نظائر فى القرآن الكريم وأساليب العرب كقوله تعالى بعد ذكر خلق السماء : «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» وقوله : «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» وقول بعض العرب : قال الجدار للوتد لم تشقّنى؟ قال سل من يدّقنى ، فإن الذي ورائي ، ما خلّانى ورائي : أي ورأيى.
وقال ابن كثير فى تفسير الآية : يخبر الله تعالى أنه استخرج ذرية بنى آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو ، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ» وفى الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة» وفى رواية :