يا نبى الله؟ قال الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».
ثم ذكر ما يدل على المحذوف الذي قدر في الجملة السالفة فقال :
(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي فالويل أشد الويل لمن قست قلوبهم من أجل ذكر الله الذي من حقه أن تلين منه القلوب ، فهم إذا ذكر الله عندهم ، وذكرت دلائل قدرته ، وبدائع صنعه ، اشمأزوا من ذلك وزادت قلوبهم قسوة.
قال مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب ، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة. وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي».
وعن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال : «قال الله تعالى : اطلبوا الحوائج من السمحاء ، فإنى جعلت فيهم رحمتى ، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم ، فإنى جعلت فيهم سخطى».
ثم بين حالهم فقال :
(أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي أولئك القساة القلوب الذين أعمى الله أبصارهم فى غواية ظاهرة لكل أحد لا تحتاج إلى عناء في تفهم حقيقتها ومعرفة كنهها.
وبعدئذ وصف القرآن الذي يشرح الصدر ويلين القلب فقال :
(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي الله أنزل أحسن الحديث قرآنا كريما يشبه بعضه بعضا في الصدق والبيان والوعظ والحكمة ، كما تتشابه أجزاء الماء والهواء وأجزاء النبات والزهر ، تثنى وتردد قصصه وأنباؤه وأوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ، إذا تليت منه آيات العذاب اقشعرّت الجلود ، ووجلت القلوب ، وإذا تليت آيات