(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) أي قل أيها الرسول لهذا المشرك القائل لك : من يحيى العظام وهى رميم؟ يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا وهو العليم بالعظام ، وأين تفرقت في سائر أقطار الأرض؟ وأين ذهبت؟
لا يخفى عليه شىء من أمر خلقه ، فهو يعيده على النمط السابق والأوضاع التي كان عليها مع قواه السالفة.
وكان الفيلسوف الإسلامى الملقّب بالفارابي يقول. وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلىّ في قوله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) الآية ، إذ تفصيله : الله أنشأ العظام وأحياها أول مرة ، وكل من أنشأ شيئا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيا ـ ونتيجة هذا ـ الله قادر على إنشائها وإحيائها بقواها ثانيا ا ه.
ولا شك أن الفارابي إنما يريد القياس الذي يفهمه اليوناني باصطلاحه المنطقي ، وإلا ففى الآية قياس فهمه العربي على أسلوبه في التخاطب الذي يجرى عليه ويقتنع به ، ولكل أمة أساليب في الإقناع والحجاج تسير عليها وتسلك سبيلها ، وقد اقتنع الكثير من العرب بما جاء به في هذا ، ومن جحد فإنما فعل ذلك عنادا واستكبارا.
ثم ذكر دليلا ثانيا يرفع استبعادهم ويبطل إنكارهم فقال :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) أي وهو الذي بدأ خلق الشجر من ماء حتى صار أخضر ناضرا ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا توقد به النار ، ومن فعل ذلك فهو قادر على ما يريد لا يمنعه شىء ، إذ من أحدث النار في الشجر الأخضر على ما فيه من المائية المضادة للاحتراق ، فهو أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضّا فيبس وبلى.
ثم زكى ذلك بدليل ثالث على قدرته أعجب من سابقيه فقال :
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) يقول تعالى منها هذا الكافر الذي قال : من يحيى العظام وهى رميم؟