دفع البلاء بعد حلوله ، والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله ، مع إظهار فضلهما ، وإحراز المثوبة من ربهما.
ثم علل رفعه لذلك البلاء وإزالته لتلك الغمة بقوله :
(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي إناكما عفونا عن ذبحه لولده ، بعد استبانة إخلاصه في عمله ، حين أعد العدّة ، ولم تتغلب عليه عاطفة البنوة ، فرضى بتنفيذ القضاء منقادا صاغرا ـ نجزى كل محسن على طاعته ، ونوفيه من الجزاء ما هو له أهل ، وبمثله جدير.
ثم ذكر عظيم صبره على امتثال أمر ربه مع ما فيه من كبير المشقة في مجرى العادة فقال :
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي إن هذا الذي كان لهو محنة أيّما محنة ، واختبار لعباده لا يعدله اختبار ، ولله عز اسمه أن يبتلى من شاء من عباده بما شاء من التكاليف وهو الفعال لما يريد ، لا رادّ لقضائه ولا مانع لقدره ، وكثير من التكاليف قد تخفى علينا أسرارها وحكمها ، وهو العليم بها وبما لأجله شرعها.
(وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) أي وفديناه بوعل أهبط عليه من جبل ثبير قاله الحسن البصري ، ولا علينا أن نزيد على ما جاء به الكتاب ، ومكان نزوله لا يهم في بيان هذه المنة التي امتن بها عليه.
ثم ذكر أنه منّ عليه بمنة أخرى فقال :
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أي وأبقينا له ذكرا حسنا بين الناس في الدنيا فصار محبّبا بين الناس جميعا من كل ملة ومذهب ، فاليهود يجلّونه ، والنصارى يعظمونه ، والمسلمون يبّجلونه ، والمشركون يحترمونه ، ويقولون إنا على ملة إبراهيم أبينا ، وذلك استجابة لدعوته حين قال : «وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ».