ولكن من نطق بكلمة التوحيد وكان على بصيرة وعلم من ربه كالملائكة وعيسى تنفع شهادتهم عنده بإذنه لمن يستحقها.
وقال سعيد بن جبير : إن معنى الآية ـ لا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة.
ثم بين أن هؤلاء المشركين متناقضو الأقوال والأفعال فقال :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ؟ لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي ولئن سألت أيها الرسول هؤلاء ، المشركين بالله العابدين غيره ، من خلق الخلق جميعا؟ ليعترفنّ بأنه الله تعالى وحده لا شريك له فى ذلك ، ولا يستطيعون الجحود لظهور الأمر وجلائه.
(فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؟) أي فكيف ينقلبون عن عبادة الله إلى عبادة غيره ، وينصرفون عنها مع هذا الاعتراف ، فإن المعترف بأن الله خالقه إذا عمد إلى صنم أو حيوان وعبده مع الله أو عبده وحده ـ فقد عبد بعض مخلوقات الله ، فهم فى غاية الجهل والسفه وضعف العقل.
وفى هذا تعجيب شديد من إشراكهم بعد هذا.
(وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) أي ويعلم علم الساعة وقوله لربه شاكيا قومه الذين كذبوه ولقى منهم شديد الأذى : يا رب إن هؤلاء الذين أمرتنى بإنذارهم وأرسلتنى إليهم لتبليغهم دينك الحق ـ قوم لا يؤمنون.
ولما شكا الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى ربه عدم إيمانهم أجابه بقوله :
(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أي فأعرض عنهم وأنت آيس من إيمانهم ، ولا تجبهم بمثل ما يخاطبونك به من سيىء الكلام ، بل تألفهم واصفح عنهم قولا وفعلا ، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم ، فإنك ستنتصر عليهم ، ويحل بهم بأسنا الذي لا يردّ.
وقد أنجز الله وعده ، وأنفذ كلمته ، وأعلى دينه ، وشرع الجهاد والجلاد ، فدخل الناس فى دين الله أفواجا ، وانتشر الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها.