وبعد أن وصف ما هم فيه من نعيم مقيم ، بيّن أن حياتهم فى هذا النعيم دائمة لا يلحقها موت ولا فناء فقال :
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) أي لا يخشون فى الجنة موتا ولا فناء أبدا. وقد ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : «يؤتى بالموت فى صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت» وقد تقدم هذا فى سورة مريم.
وروى أبو هريرة وأبو سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا» رواه مسلم.
وخلاصة ذلك ـ لا يذوقون فيها الموت ، لكن الموتة الأولى قد ذاقوها فى الدنيا كذا قال الزجاج والفرّاء.
(وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي وهم مع هذا النعيم قد نجاهم من العذاب الأليم ، فى دركات الجحيم ، فأعطاهم ما يطلبون ، ونجاهم مما يهزبون.
(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ) أي نجاهم من ذلك تفضلا منه وإحسانا.
(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة ، هو الفوز العظيم بما كانوا يطلبون إدراكه فى الدنيا ، بأعمالهم ، وطاعتهم لربهم ، واتقائهم إياه ، فيما امتحنهم به من الطاعات ، واجتنابهم للمحرمات.
ولما أتمّ المقاصد التي أراد ذكرها فى هذه السورة لخصها بقوله :
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي إنما سهلنا إليك قراءة القرآن الذي أنزلناه إليك بلسانك ، ليتذكر به قومك ويتعظوا بعظاته ، ويتفكروا فى آياته إذا تلوتها عليهم ، فينيبوا إلى ربهم ، ويذعنوا للحق الذي تبيّنوه.
ولما كان القرآن مع هذا الوضوح والبيان قد خالف فيه بعض الناس وعاند ، قال تعالى مسليّا رسوله وواعدا له بالنصر ، ومتوعدا من كذبه بالهلاك.