ولتشكروه على ما أفاض عليكم من هذه النعم ، فتعبدوه وتطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
(وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي وسخر لكم جميع ما خلقه فى سمواته وأرضه مما تتعلق به مصالحكم ، وتقوم به معايشكم ، فمما سخر لكم من المخلوقات السماوية الشمس والقمر والنجوم النيرات والمطر والسحاب والرياح ، ومن المخلوقات الأرضية الدواب والأشجار والجبال والسفن رحمة منه وفضلا ، وكل هذه أدلة على أنه الله الذي لا إله غيره ، لمن تأمل فيها واعتبر بها وتدبرها حق التدبر.
والخلاصة ـ إن العالم كله كأنه جسم واحد يحتاج كل جزء منه إلى الأجزاء الباقية ، فلا يستقيم مطر بلا حرارة شمس ، ولا تسير سفن إلا بهواء أو فحم أو كهرباء وما شاكل ذلك ، فالعالم كله كساعة منتظمة لا يستقيم سيرها إلا إذا استكملت آلاتها وعددها.
وعن طاوس قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله مم خلق الخلق فقال من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب ، قال فمم خلق هؤلاء؟ قال لا أدرى ، ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأله ، فقال مثل قول عبد الله بن عمرو ، فأتى ابن عباس فسأله مم خلق الخلق؟ فقال من الماء والنور والظلمة والريح والتراب ، قال مم خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس : «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ» فقال الرجل ما كان ليأتى بهذا إلا رجل من أهل بيت النبوة.
ولما علّم سبحانه عباده دلائل التوحيد والقدرة والحكمة ـ أردفه تعليمهم فضائل الأخلاق فقال :
(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) أي قل للذين صدقوا الله ورسوله : اعفوا واصفحوا عن هؤلاء المشركين الذين لا يخافون بأس الله ونقمته ، إذا نالكم منهم أذى ومكروه قاله مجاهد.