روى الواحدي والقشيري عن ابن عباس أن الآية نزلت فى عمر بن الخطاب مع عبد الله بن أبىّ فى غزوة بنى المصطلق ، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها المريسيع ، فأرسل عبد الله غلامه ليستقى فأبطأ عليه ، فقال ما حبسك؟ قال غلام عمر قعد على فم البئر ، فما ترك أحدا يستقى حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبى بكر وملأ لمولاه ، فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل «سمّن كلبك يأكلك» فبلغ عمر قوله ، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله ، فأنزل الله هذه الآية :
وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس سببا آخر قال : لما نزل قوله تعالى : «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً» قال يهودى بالمدينة يسمى فنحاصا ، احتاج رب محمد. قال فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج فى طلبه ، فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقول لك : «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ» فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلب عمر فلما جاء قال : (يا عمر ضع سيفك) قال يا رسول الله صدقت. أشهد إنك أرسلت بالحق ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية. فقال عمر : لا جرم والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب فى وجهى.
ثم علل الأمر بالمغفرة فقال :
(لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي ليجزى الله تعالى يوم القيامة قوما بما كسبوا فى الدنيا من أعمال طيبة ، من جملتها الصبر على أذى الكفار والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه ـ ما لا يحيط به الوصف من الثواب العظيم فى جنات النعيم.
ولما رغب سبحانه ورهّب وقرر أنه لا بد من الجزاء ـ أبان أن النفع والضر لا يعدو المحسن والمسيء فقال :
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي من عمل من عباد الله بطاعته ، فانتهى إلى أمره وازدجر عن نهيه ـ فلنفسه عمل ، ولها طلب الخلاص من عذابه ،