فهو ممن ختم الله على سمعه وقلبه ، فلا يتأثر بعظة ، ولا يفكر فى آية ، وجعل على بصره غشاوة مانعة من الاستبصار والاعتبار ، فمن بعد الله يهديه؟ أفلا تتذكرون وتتفكرون فى هذا؟
روى الكلبي فى تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة قالوا لعلى وحمزة وجمع من المؤمنين : ولله ما أنتم على شىء ، ولو كان ما تقولونه حقا ، لكان حالنا أفضل من حالكم فى الآخرة كما هو أفضل فى الدنيا ، فنزلت الآية «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ» إلخ.
الإيضاح
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) أي أيظن هؤلاء الذين اكتسبوا الإثم والمعاصي فى الدنيا ، فكفروا بالله وكذبوا الرسل ، وخالفوا أمره ، وعبدوا غيره ، أن نجعلهم كالذين آمنوا به وصدقوا رسله ، فنساوى بينهم فى دار الدنيا وفى الآخرة ـ كلا لا يستوون فى شىء منهما ، فإن أهل السعادة فى عز الإيمان والطاعة وشرفهما فى المحيا ، وفى رحمة الله ورضوانه فى الممات ، وأهل الشقاء فى ذلك الكفر والمعاصي وهوانهما فى المحيا ، وفى لعنة الله والعذاب الخالد فى الممات ، فشتان ما بينهما وما أبعد ما بين الثريا والثرى.
ونحو الآية قوله تعالى : «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» وقوله : «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ» (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي ساء ما ظنوا وبعد أن نساوى بين الأبرار والفجار فى الدار الآخرة وفى هذه الدار.
وفى الآية إرشاد إلى تباين حالى المؤمن العاصي والمؤمن الطائع.
وقد أثر عن كثير من الناسكين المخبتين لربهم أنهم كانوا يبكون عند تلاوة هذه الآية حتى سموها مبكاة العابدين.