ثم أبان أن ما فعلوه إنما هو بمحض التقليد عن الآباء دون حجة ولا برهان ، وهم ليسوا ببدع فى ذلك ، فكثير من الأمم قبلهم قالوا مثل مقالهم ، مع أن الرسل بينوا لهم الطريق السوىّ فكفروا به واتبعوا سنن من قبلهم حذو القذّة بالقذّة ، فكان عاقبة أمرهم أن حلّ بهم نكالنا كما يشاهدون ويرون من آثارهم.
الإيضاح
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) أي وأثبتوا لله ولدا ، إذ قالوا الملائكة بنات الله قاله مجاهد والحسن ، والولد جزء من والده كما قال عليه السّلام «فاطمة بضعة منى».
وإن مقالهم هذا يقتضى الكفر من وجهين :
(١) كون الخالق جسما محدثا لمشابهة الولد له ، فلا يكون إلها ولا خالقا.
(٢) الاستخفاف به ، إذ جعلوا له أضعف نوعى الإنسان وأخسهما.
ثم أكد كفرهم بقوله :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) أي إن الإنسان لجحود بنعم ربه التي أنعمها عليه ، ظاهر كفره لمن تأمل حاله وتدبر أمره.
ثم زاد فى الإنكار عليهم والتعجب من حالهم فقال :
(أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) أي هل اتخذ سبحانه من خلقه أخسّ الصنفين لنفسه ، واختار لكم أفضلهما؟ وكأنه قيل : هبو أنه اتخذ ولدا فأنتم قد ركبتم شططا فى القسمة فادعيتم أنه سبحانه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما وترك لنفسه شرهما وأدناهما ، فما أنتم إلا حمقى جهلاء.
ونحو الآية قوله : «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» ـ جائرة ـ.
ثم زاد فى التوبيخ والإنكار بقوله :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)