وقد يكون المعنى ـ ولن ينفعكم ذلك من حيث التأسى ، فإن المكروب فى الدنيا يتأسى ويستروح بوجدان المشارك فى البلوى ، فيقول أحدهم لى فى البلاء والمصيبة أسوة ، فيسكّن ذلك من حزنه كما قالت الخنساء ترثى أخاها صخرا :
يذكّرنى طلوع الشمس صخرا |
|
وأذكره بكل مغيب شمس |
فلو لا كثرة الباكين حولى |
|
على إخوانهم لقتلت نفسى |
وما يكون مثل أخى ولكن |
|
أعزّى النفس عنه بالتأسى |
وقصارى ذلك ـ إنه لا يخفف عنهم بسبب الاشتراك شىء من العذاب ، إذ لكل منهم الحظ الأوفر منه.
وقد يكون المعنى ـ ولن ينفعكم اليوم الاعتذار والندم ، فأنتم وقرناؤكم مشتركون فى العذاب ، كما كنتم مشتركين فى سببه فى الدنيا.
وقد وصفهم فيما سلف بالعشي ووصفهم بالعمى والصمم ، من قبل أن الإنسان لاشتغاله بالدنيا يكون كمن حصل بعينيه ضعف فى البصر ، وكلما زاد انهما كه بها كان ميله إلى الجسمانيات أشد وإعراضه عن الروحانيات أكمل فقال :
(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؟) أي أفانت تسمع من قد سلبهم الله استماع حججه التي ذكرها فى كتابه ، أو تهدى إلى طريق الحق من أعمى قلوبهم عن إبصارها ، واستحوذ عليهم الشيطان فزين لهم طريق الردى.
والخلاصة ـ إن ذلك ليس إليك ، إنما ذلك إلى من بيده تصريف القلوب وتوجيهها أنّى شاء ، فعليك البلاغ وعلينا الحساب.
وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يبالغ فى دعاء قومه إلى الإيمان وهم لا يزيدون إلا غيّا وتعاميا عما يشاهدون من دلائل النبوة وتصامّا عما يسمعون من بينات القرآن.