ويشير إلى ما ذكرناه أنّه رحمهالله قال في شرحه على «اللمعة» في المقام : ولو اشتبه الفائت في عدد منحصر عادة وجب قضاء ما تيقّن به البراءة ، كالشكّ بين عشرة وعشرين ، وفيه وجه بالبناء على الأقلّ ضعيف (١) ، انتهى ، فتدبّر!
وأمّا الاكتفاء بغلبة الظن فيما لا يمكن تحصيل اليقين ، فهو الأصل والقاعدة الشرعيّة الثابتة المقرّرة في جميع المقامات ، والبناء في الفقه على ذلك بلا شبهة ، بل هو اسّ الاجتهاد ، وأساسه عليه ، كما لا يخفى.
مع أنّه ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (٢).
وعن علي عليهالسلام : «إنّ الميسور لا يسقط بالمعسور» (٣) ، وإنّ «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٤) ، مضافا إلى الاستصحاب في الجملة ، لأنّ هذا القدر من جملة ما كان واجبا عليه لو تيسّر منه ما بقي منه إلى أن يحصل اليقين ، وعدم التمكّن منه لا يرفع وجوب هذا القدر.
وأيضا الدليل اقتضى وجوب هذا ، وأزيد منه إلى أن يحصل اليقين ، فحيث حصل المانع من الأزيد ، فلا معنى لرفع الوجوب عمّا تمكّن.
بل الظاهر من العرف وغيره أنّ وجوبه حينئذ آكد ، ولزوم فعله حينئذ أشدّ.
والحاصل ؛ أنّ وجوب الإتيان بجميع ما هو محصّل لمطلوب الشارع الثابت من الأدلّة المعروفة المقرّرة ، لا يرتفع بمجرّد عدم التمكّن من بعض ذلك.
وأيضا رفع اليد عن القدر المظنون ترجيح للمرجوح على الراجح بالبديهة ، وهو غير جائز عقلا ، فلا يجوز شرعا أيضا ، لأنّ عندنا أن الشرع والعقل
__________________
(١) الروضة البهيّة : ١ / ٣٥٥.
(٢) بحار الأنوار : ٢٢ / ٣١.
(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.
(٤) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧ مع اختلاف يسير.