شغل الذمّة إذا وقع بالواقعي المجمل علينا لا بدّ من الإتيان بذلك المجمل المكلّف به مهما أمكن ، وعدم جريان الأصل فيه.
ألا ترى أنّ أهل العرف إذا جزم واحد منهم باشتغال ذمّته أو ذمّة والده المتوفّى بحقّ زيد ، مثل دنانير متعدّدة يجزم بتعدّدها ولا يعلم مقدارها ، لا يتمسّك بالأصل لتعيّنه ، بأن يقول : الأصل عدم كونها أزيد من اثنين أو ثلاث فتعيّن كون المتعدّد المذكور خصوص اثنين أو ثلاث ، بل يوجبون تحصيل البراءة بالصلح وغيره.
على أنّه عرفت أنّ كلامهم مفروض في صورة عدم إمكان تحصيل اليقين بالبراءة عادة ، لغاية كثرة الاحتمالات الناشئة عن كثرة عدد الفائتة التي يعلم فوتها ، لأنّ المكلّف يعلم الكثرة البتّة ، لكن لا يتعيّن عنده عددها.
وكلام الشيخ أيضا صريح في ذلك ، حيث قال : ولم يمكنه التخلّص من ذلك إلّا بالاستكثار فيجب ذلك (١) ، فلا يشمل مثل ما ذكرناه من أنّه يعلم أنّها لا تزيد على ثلاث أو أربع أو خمس جزما ، فإنّ التخلّص فيه بعنوان اليقين ممكن ، بل ميسّر غاية السهولة.
فلا وجه لحصره في المظنّة ، بل لا وجه للاكتفاء بالظنّ حينئذ ، فضلا عن الحصر فيه.
بل ربّما لا يتحقّق فيه المظنّة ، بل ينحصر الاحتمال فيه في الشكّ واليقين ، كما هو الحال فيما نعلم أنّها لا تزيد على ثلاث ونحوه ، وأين هذا من الحصر في الظن؟
فإذا ظهر أنّ كلامهم فيما يجزم بكثرة تعدّد الفائتة كثيرة لا يمكن التخلّص عادة إلّا بالظن ، فمعلوم أنّ مثل ذلك لا يمكن حصول العلم عادة بعدد معيّن
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٧ ذيل الحديث ٧٧٧ نقل بالمعنى.