وحده تمتمته الناقمة، وكفرانه الايادى البيض التي استوعب بها مدى جيلين من بني عمه المطهَّرين ـ فطن ، الى أن الاستقالة من عمل ما ، لا تستكمل شرائطها في التشريع الاسلامي ، الا بالاعتراف صريحا « بالاعجز ». ولم يكن الفتى الاناني بالذي يفرّط بشخصيته فيعرضها لسخرية الناس. ورجع الى نفسه من جديد ، ليلتمس المخرج الذي لا يضطره الى مثل هذا الاعتراف.
وكانت رسائل معاوية التي وصلته ليلته هذه والتي خفي عليه أنه تسلمها من يد البريد الذي نشر الشائعة السوداء في معسكره صباحا ، هي الاخرى لا تزال تعنّ له بمغرياتها الجبارة، كلما أدار رأسه في تفكير أو تدبير. وأذهله حين ذكر رسائل معاوية ، الفارق الهائل بين الحلم الجميل المموّه بالذهب ، وبين الحقيقة المرة ، فشلّ تفكيره وشعوره ولم يهتد الى الرأي الذي يناسبه كزعيم هاشمي ينازل أصلب عدو للهاشمية في ميدان موت أو حياة.
انه كان بامكانه أن يستقيل وأن يعترف بالعجز غير متلكىء ولا حيران ثم ينتزع معذرته لسمعته وكرامته ، من الاخفاق المحقق الذي كان ينتظر القائد الثاني ، الذي سيستسلم قيادته في ظرف لا يستقيم معه ميدان حرب.
وكان بامكانه أن يتجلد في موقفه ، فيتوعد المشاغبين ، ويأخذ بالحزم المصطنع الذي يكون ظاهره العنف وباطنه التوجيه ، بلون من الاوان هذه المناورات الادارية التي كان ينبغي له أن يجيدها كما يجيدها امثاله من رؤساء الناس ، ويتريث قليلا ، ثم ينتظر تعاليمه الاخيرة من ناحية الامام ، ويكون ـ عند ذلك ـ المعذور في دينه وفي سمعته معا.
أما ان يتنازل من شموخه كقائد في معسكر امام ، فيساوم رسل معاوية على أجر الهزيمة ، فلا ولا كرامة!!!؟
وكانت رسالة معاوية اليه ، تضرب على وتره الحساس من ناحية حبه