ودخل حمى معاوية ليلا ، دخول المنهزم المخذول الذي يعلم في نفسه أي اثم عظيم أتاه.
ثم شاح عنه التاريخ بوجهه ، فلم يذكره الا في قائمته السوداء. وكان ذلك جزاء الخائنين ، الذين يحفرون أجداثهم بايديهم ، ثم يموتون عامدين ، قبل أن يموتوا مرغمين.
و خلقت هزيمة عبيدالله بن عباس في « مسكن » جوا من التشاؤم الذريع ، لم يقتصر أثره على مسكن ، ولكنه تجاوزها الى « المدائن » ايضا. فكانت النكبة الفاقرة بكل معانيها.
وللمسؤوليات الهائلة التي تدرّج اليها الموقف بعد هذه النكبة ، ما يحمله عبيدالله أمام الله وأمام التاريخ.
و تسلم قيادة المقدمة بعد فرار قائدها الاول ، صاحبها الشرعي الذي سبق للامام تعيينه للقيادة بعد عبيدالله ، وهو ( قيس بن سعد بن عبادة الانصارى ) العقيدة المصهورة ، والدهاء المعترف به في تاريخ العرب ، والشخصية الممتازة من بقايا أصحاب (١) علي عليهالسلام. شب مع الجهاد ، واستمر على الدرب اللاحب. وأنكر على الاخرين ضعفهم حين ضعفوا ، ونقم عليهم استجابتهم للمغريات وعزوفهم عن الواجب.
وما ان دان له المعسكر في مسكن حتى وقف بين صفوفه المتباقية ـ بعد
__________________
١ ـ قال مسعودي : « كان قيس بن سعد من الزهد والديانة والميل الى علي بالموضع العظيم. وبلغ من خوفه الله وطاعته اياه ، انه كان يصلي فلما أهوى للسجود اذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطوق ، فمال عن الثعبان برأسه وسجد الى جانبه ، فتطوق الثعبان برقبته ، فلم يقصر من صلاته ولا نقص منها شيئا حتى فرغ ، ثم أخذ الثعبان فرمى به ». قال : « وكذلك ذكر الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة بن المعمر بن خلاد عن ابي الحسن علي بن موسى الرضا ». وتوفي قيس سنة ٨٥.