ابن العباس ...
وما انكى النكبة التي تتعرض لها القضية التاريخية ، حين يخبط بها مؤرخوها هذا الخبط ، ويخلطون حقائقها بموضوعاتها هذا الخلط.
ومرت المصادر الاخرى على هذه القضية ، مرورها على القضايا الهامشية في التاريخ ، دون أن تستفزها الاحداث الكبرى ، التي حفلت بها هذه الحقبة القصيرة من الزمن ، التي هي عهد الحسن في الخلافة الاسلامية العامة ، وعهد الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية ، وعهد انقلاب الخلافة الى الملك ، وعهد انبثاق الحزازات الطائفية في الاسلام.
ولم يعن مؤرخو قضية الحسن من الصنفين ـ المفصلين والموجزين ـ بأكثر من الاشارة الى الظروف المتأزمة التي كان من طبيعتها أن تشفع لدى الحسن بقبول الصلح أو تضطرَّه اليه ، فمن مذعن ساكت لا يبدي رأيا ، ومن مصوب عاذر يتزيد الحجج ويعدد المعاذير ، ومن ناقد جاهل خفي عليه « سر الموقف » فراح يكشف عن سر نفسه من التعصب الوقح والتحامل المرير.
ولم يكن فيما توفر عليه كل من الاصدقاء والناقمين في استعراضهم التاريخي للمآزق التي تعرض لها الحسن عليهالسلام ، ما يحول بنسقه دون النقد الجارح [ أو قل ] ما يجيب بأسلوبه على السؤال المتأدب ، في عزوف الحسن عن « الشهادة » التي كانت ـ ولا شك ـ افضل النهايتين ، وأجدرهما بالامام الخالد.
وكان الكلام على كشف هذا السرّ لو قدروا عليه هو نفسه الدليل الكاشف عن السبب الجوهري فيما صار اليه الامام من اختيار الصلح ، دون أن يحتاجوا الى جهد اخر في تعداد المحن أو استعراض المآزق الصعاب لان شيئا من ذلك لا يدلّ في عرف الناقمين ولا المستفهمين ، على انحصار المخرج بالصلح ، ولا يغلق في وجوههم ، احتمال ظرف الحسن للشهادة ،