وعلمنا أنه قال بعد الصلح : « رضينا بها ملكاً ».
وعلمنا أنه خطب على منبر الكوفة يوم وصوله اليها. فقال : « اني لم اقاتلكم لتصلوا ولا لتزكوا .. وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم ».
وعلمنا أن الحسن بن علي أنكر عليه الخلافة وجاهاً ، فسكت ولم يرد عليه.
فلنعلم اذاً ، بأن معاوية حين رضيها ملكاً نفاها عن نفسه خلافة ، وحين قال : « لم اقاتلكم لتصلوا ولا لتزكوا .. » دل على أنه ليس خليفة دين ، ولكنه ملك دنيا لا همَّ له في صلاة ولا زكاة ، وانما كل همه في التأمر على الناس. وهو حين يقول للحسن : « لا تقضى دونك الامور » ويقول لابنه : « ان الحق حقهم » ، يعترف للحسن بالمقام الاعلى وبالسلطة التي لا تعصى في أمر. وما ذلك الا مقام الخلافة فحسب. وكان لابد لمعاوية أن يسكت ـ والحال هذه ـ حين يصارحه الحسن بانكار خلافته ، ويكذبه على ادعائها بغير استحقاق.
فأين من هذا ، تسليم الخلافة الذي فسّروا به تسليم الامر؟.
وشيء آخر ، قد يكون في مغزاه أدق دلالة على اعتراف معاوية ببراءته من استحقاق الخلافة ، وذلك هو ضحكته المخذولة لسعد بن أبي وقاص يوم دخل عليه وقال له : « السلام عليك ايها الملك » ، ولم يقل يا امير المؤمنين ، فقد كانت هذه الضحكة بلغتها المبطنة ، صريحة بالاعتراف بالخطأ اذ يريد أن يأخذ الخلافة لقباً من غنائم الحرب ، لا واسطةً بين المسلمين ونبيهم (ص) ، وبهذا استحق من سعد ، وهو الرجل الذي لا تغلبه مداورات معاوية ، أن يقول له : « واللّه ما أحب أني وليتها بما وليتها به » ، يعني أنه كان يترفع عنها لقباً ينبت على الدماء المحرمة ، والفتن السود ، والعهود الخائسة.
وترى ـ على هذا ـ أن سعداً لم يفهم من تسليم الامر الا تسليم الملك وهو ما يجب أن يفهمه كل من فهم لغة القرآن في الخلافة ، أو لغة الفريقين