مقدراته من حروب الشام. وكان معاوية العدوّ الذي لا يفتأ يمدّ فكرة الثورة في الكوفة بكل ما اوتي من ثراء أو دهاء.
لذلك كان ما اختاره الحسن هو الاحسن لموقفه الدقيق.
ونقول في الجواب على مقترح بعض نصحائه من أصحابه في تعجيل الحرب حين طلب اليه « بأن يبدأ معاوية بالمسير حتى يقاتله في أرضه وبلاده وعمله (١) » : انه لو فعل ذلك لفتح للمعارضين من زعماء الاحزاب في الكوفة وللمتفيهقين من القراء و ( أهل الهيأة والقناعة ) فيها ، منفداً للخلاف عليه لا يعدم الحجة ، اذا اريد الاحتجاج به من ناحية « الابتداء بالعدوان » وهي الحجة التي لا يجد كثير من الناس أو من بسطاء الناس الجواب عليها ، والتي قد يؤول بها النقاش الى مجاهرة هذه الجماعات بنكث البيعة علناً ، والتخلي عن الحسن جهاراً ، ومعنى ذلك التعرض الى أفظع انشقاق داخلي ، له عواقبه ومخاوفه.
ولهذا وذاك آثر الحسن التهدئة متمهلاً بالحرب بادئ ذي بدء.
ثم ارتجل الامر بالجهاد.
وما كان اذ أمر بالجهاد الا مستجيباً للظرف الطارئ الذي لم يكن يحتمل ـ في نظر الجميع ـ الا الامر بالجهاد ، وذلك حين بادر معاوية الى العدوان مبتدئاً ، وتحلبت أشداقه بالمطامع الاقليمية ولكن في صميم بلاد الاسلام! ، فزحف الى « جسر منبج (٢) » باتجاه العراق ، وذلك بعد وفاة امير المؤمنين عليهالسلام ، بقليل من الزمن اختصره اليعقوبي (٣) كثيراً
__________________
١ ـ ابن ابي الحديد ( ج ٤ : ص ١٣ ).
٢ ـ « منبج » بلد قديم كبير ، بينه وبين جسره على الفرات ثلاثة فراسخ ، وبينه وبين « حلب » عشرة فراسخ ، وفي المعجم : « بينهما يومان » ، قال : « ومنها الى ( ملطية ) اربعة ايام والى الفرات يوم واحد ، وخرج منها جماعة منهم البحتري وابو فراس الحمداني .. ».
٣ ـ ( ج ٢ : ص ١٩١ ).