الدثور والانقصام ، وسلّم جرعها من كيد قاصد يهمّ بالاختصام ، فيه ذكر من حلها من الأماثل والأعلام. فبدأت به عازما على الإنجاز له والإتمام. فعاقت عن إنجازه وإتمامه عوائق الأيام. من شدوة (١) الخاطر ، وكلال الناظر وتعاقب الآلام ، فصدفت عن العمل فيه برهة من الأعوام. حتى كثر عليّ في إهماله لوم اللوام. وتحشيم من تحشيمه سبب لوجود الاحتشام. وظهر ذكر شروعي فيه حتى خرج عن حدّ الاكتتام ، وانتشر الحديث فيه بين الخواصّ والعوام. وتطلّع إلى مطالعته أولوا النهى وذووا الأحكام ، ورقى خبر جمعي له إلى حضرة الملك القمقام (٢) ، الكامل العادل الزاهد المجاهد المرابط الهمام ، أبي القاسم محمود بن زنكي بن أبي (٣) سنقر ناصر الإمام. أدام الله ظلّ دولته على كافة الأنام ، وأبقاه مسلّما من الأسوأ منصور الأعلام ، منتقما من عداة [المسلمين](٤) الكفرة الطغام ، معظّما لحملة الدين بإظهار الإكرام لهم والاحترام. منعما عليهم بإدرار الإحسان إليهم والإنعام. عافيا عن ذنوب ذوي الإساءات والإجرام (٥). بانيا للمساجد والمدارس والأسوار ومكاتب الأيتام ، راضيا بأخذ الحلال ورافضا لاكتساب الحطام. آمرا بالمعروف زاجرا عن ارتكاب الحرام ، ناصرا للملهوف وقاهرا للظالم العسوف بالانتقام ، قامعا لأرباب البدع بالإبعاد لهم والإرغام ، خالعا لقلوب الكفرة بالجرأة عليهم والإقدام.
وبلغني تشوقه إلى الاستنجاز له والاستتمام ، ليلمّ بمطالعة ما تيسّر منه بعض الإلمام. فراجعت العمل فيه راجيا للظفر بالتمام ، شاكرا لما ظهر منه من حسن الاهتمام ، مبادرا ما يحول دون المراد من حلول الحمام ، مع كون الكبر مطية (٦) العجز ومظنة الأسقام ، وضعف البصر حائلا دون الإتقان له والإحكام. والله سبحانه وتعالى المعين فيه بلطفه عن بلوغ المرام.
وهو كتاب مشتمل على ذكر من حلّها من أماثل البرية أو اجتاز بها أو بأعمالها من
__________________
(١) كذا بالأصل ، والصواب : شده وهو الشغل كما في اللسان.
(٢) القمقام : القمقام والقماقم من الرجال : السيد الكثير الخير ، الواسع الفضل : اللسان : قمم).
(٣) كذا وفي المطبوعة : آق.
(٤) استدركت عن مخطوط الخزانة العامة بالرباط.
(٥) في المطبوعة : والاجترام.
(٦) في المطبوعة : مظنة العجز ومطية الأسقام.