وعمارتها. فمرّ بقرية من قرى جبال يقال لها أكثب (١) ، فشدّ أهلها على ساقة المسلمين فأصابوهم بجراحة وقتلوا رجلا من المسلمين فبلغ ذلك جماعة الجيش فاستأذنوا زيد بن حارثة في الرجعة إليهم والانتقام منهم. فقال زيد : لا أرى ذلك لأن عدوكم أمامكم قد جمعوا لكم ودنوا منكم ، فأكره أن تفلّوا حدكم ونشاطكم بقتال غيرهم ، ثم لا آمن أن يجمعوا لكم فيكونوا من ورائكم ، فتكونوا بين عسكرين. فمضى زيد ومن معه حتى لقوا عدوهم بين قريّات ثلاثة ، بين مؤتة والعمقة (٢) وزقوقين (٢) فصافوهم هنالك. وقال السلاميون : هم إلى زقوقين أقرب.
قال ابن عائذ قال الوليد : وأخبرنا رجل من أهل البلقاء أن الذين لقوهم يومئذ من أهل المشارق (٣) من النصارى من لخم وجذام والقين.
قال ابن عائذ قال الوليد : فحدثني عطّاف بن خالد وغيره : أن خالد بن الوليد بات ثم أصبح غازيا وقد جعل مقدمته ساقة ، وساقته مقدمة ، وميمنته ميسرة ، وميسرته ميمنة. فأنكروا ما جاء به من خلاف ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم ، وقالوا : قد جاءهم مدد. فانهزموا وقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.
قال ابن عائذ قال الوليد : وأما السلامي فإنه أخبرني عن غير واحد : أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا ، ثم انحاز الفريقان كلّ عن كل قافلا عن غير هزيمة ، فقفل المسلمون على طريقهم التى أبدوا منها حتى مرّوا بتلك القرية والحصن الذين كانوا شدوا على ساقتهم وقتلوا رجلا منهم. فحاصروهم في حصنهم حتى فتحه الله عليهم عنوة ، فقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم في نقيع إلى جانب حصنهم صبرا فبها سمّي ذلك النقيع نقيع الدم إلى اليوم ، فهدموا حصنهم هدما لم يعمر بعده إلى اليوم.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلّال ، أنا أبو القاسم إبراهيم بن منصور السّلمي ، أنا أبو بكر بن [المقرئ](٤) ، نا أبو يعلى الموصلي ، نا أبو خيثمة ،
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : أكبث.
(٢) كذا ، ولم أجدها.
(٣) كذا بالأصل وخع ، وفي المطبوعة : المشارف بالفاء ، وهي قرى قرب حوران ، منها بصرى من الشام (ياقوت).
(٤) الزيادة عن خع.