فالإمام بالخيار في ذلك إن شاء وقفه وتركه للمسلمين ، وإن شاء قسمه بين من حضره.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الحسن علي بن أحمد ، وأبو منصور بن زريق ، قالوا : قال لنا الشيخ أبو بكر الخطيب (١) : اختلف الفقهاء في الأرض التي يغنمها المسلمون ويقهرون العدو عليها ، فذهب بعضهم إلى أن الإمام بالخيار بين أن يقسمها على خمسة أسهم ، فيعزل منها السهم الذي ذكره الله تعالى في آية الغنيمة فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية. ويقسم السّهام الأربعة الباقية بين الذين افتتحوها ، فإن لم يختر (٢) ذلك وقف جميعها ، كما فعل عمر رضياللهعنه في أرض السواد.
وممن ذهب إلى هذا القول سفيان بن سعيد الثوري ، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت.
وقال مالك : تصير الأرض وقفا بنفس الاغتنام ولا خيار فيها للإمام.
وقال محمد بن إدريس الشافعي : ليس للإمام إنفاقها (٣) وإنما يلزمه قسمتها ، فإن اتفق المسلمون على إيقافها ورضوا أن لا تقسم جاز ذلك.
واحتج من ذهب إلى هذا القول بما روي أن عمر بن الخطاب قسم أرض السواد بين غانميها وحائزها (٤) ثم استنزلهم بعد ذلك عنها ، واسترضاهم منها فوقفها.
فأما الأحاديث التي تقدمت فإن عمر لم يقسمها فإنها محمولة على أنه امتنع من إمضاء القسم فاستدامته بأن انتزع الأرض من أيديهم أو أنه لم يقسم بعض السواد ، وقسم بعضه ثم رجع فيه.
فأما حكم الدور التي هي داخل السور
فأخبرنا جدي أبو المفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي قاضي
__________________
(١) انظر تاريخ بغداد ١ / ٩.
(٢) عن تاريخ بغداد ومختصر ابن منظور ١ / ٢٣٧ وبالأصل وخع : يجيز.
(٣) في تاريخ بغداد ومختصر ابن منظور : إيقافها.
(٤) عن مختصر ابن منظور وبالأصل : وحازها.