والروم. فصارت تلك المزارع والقرى صافية للمسلمين موقوفة يقبّلها والي المسلمين كما يقبّل (١) الرجل مزرعته.
قالوا فمنها : أندركيسان يعني بدمشق ، وقبيس بالبلقاء ، وما على باب حمص من جبعانا (٢) وغيرها.
قالوا : فلم تزل تلك المزارع موقوفة مقبّلة تدخل قبالتها بيت المال فيخرج نفقة مع ما يخرج من الخراج حتى كتب معاوية في إمرته على الشام إلى عثمان : أن الذي أجراه عليه من الرزق في عمله ليس يقوم بمؤن من يقدم عليه من وفود الأجناد ورسل أمرائها ، ومن يقدم عليه من رسل الروم ووفودها. ووصف في كتابه هذه المزارع الصّافية وسمّاها له يسأله أن يقطعه إيّاها ليقوى ها على ما وصف له ، وإنها ليست من قرى أهل الذمة ولا الخراج. فكتب إليه عثمان بذلك كتابا.
قالوا : فلم تزل بيد معاوية حتى قتل عثمان وأفضى إلى معاوية الأمر ، فأقرها على حالها ، ثم جعلها من بعده حبسا على فقراء أهل بيته والمسلمين.
قالوا ثم أن ناسا من قريش وأشراف العرب سألوا معاوية أن يقطعهم من بقايا تلك المزارع التي لم يكن عثمان أقطعه إيّاها. ففعل. فمضت لهم أموالا يبيعون ويمهرون ويورثون.
فلما أفضى الأمر إلى عبد الملك بن مروان وقد بقيت من تلك المزارع بقايا لم يكن معاوية أقطع منها أحد شيئا سأله أشراف الناس القطائع منها ، ففعل.
قالوا : ثم أن عبد الملك سئل القطائع وقد مضت تلك المزارع لأهلها فلم يبق منها شيء. فنظر عبد الملك إلى أرض من أرض الخراج قد باد أهلها ولم يتركوا عقبا أقطعهم منها ورفع ما كان عليها من خراجها عن أهل الخراج ، ولم يحمّله أحدا من أهل القرى ، وجعلها عشرا ورآه جائزا له مثل إخراجه من بيت المال الجوائز للخاصة.
قالوا : فلم يزل يفعل ذلك حتى لم يجد من تلك الأرض شيئا ، فسأل الناس
__________________
(١) قبل العامل تقبيلا ، وتقبّله العامل تقبّلا : تكفّل (اللسان : قبل).
(٢) في خع : «جيعانا» وفي المختصر : «جبعاثا».