استحكم له طعم الفراريج وبلغ نهاية الاستتمام إلى غايته في ذوقه نظر إلى الطبّاخ فقال : بأي شيء سمّنت هذه الفراريج؟ وبما طيّبتها؟ فقال الطباخ : هذه راعية دمشق لم تسمّن ولم تطيّب. فقال لي : ما طعم من طعام (١) للطير ولا ريح من الروائح العذبة إلّا وقد خيل لي أنه في هذه الفراريج. هذا والله أرخص لحما وأطيب طعما وريحا من مسمّن كشكر (٢) ثم قال : أوما علمت أن فراريج كسكر فيها ثقل كسكر ، وروائح آجامها ، وكأنها من طير الماء فيها الطعم ، فإن لم تعالج بالأبازير وتطيّب بالأفواه (٣) ، وتروّى بالزيت المغسول ، لم يمكن النظر إليه فضلا عن أكله (٤) ، وهي إذا عوينت بما وصفت وعولجت ففيها بقايا سنخها (٥) ولئن رجعت إلى العراق لا ذقت منها شيئا البتة.
قرأت بخط أبي الحسين (٦) الرازي ، حدثني أبو القاسم عبد الرحيم بن محمد بن أبي قربة الثقفي ، نا محمد بن هارون بن محمد بن بكّار بن بلال العاملي ، نا محمد بن أبي طيفور قال : قال ابن أبي دؤاد (٧) : قال أمير المؤمنين المعتصم بالله : ما شبهت ساكن دمشق إلّا بالصائم في شدة الكلف على الطعام فإنه جائع أبدا. قال : فقلت : يا أمير المؤمنين فنعمت النعمة هذه. قال : نعم خير بقاع الأرض إلّا أنه تورث الشدة.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني وأبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الغسّاني (٨) ، قالا : نا وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه ، نا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن زنجي الكاتب ـ إملاء ـ حدثني أبي ، نا عسل بن ذكوان قال :
__________________
(١) في المطبوعة ٢ / ١٦٨ من طعوم.
(٢) كذا بالأصل وخع ، والصواب «كسكر» كما في معجم البلدان وهي كورة واسعة قصبتها واسط بين الكوفة والبصرة.
(٣) الأفواه : التوابل ، جمع أفاويه (قاموس : فوه).
(٤) في المطبوعة : «النظر إليها فضلا عن أكلها».
(٥) السنخ : أي زنخ الدهن (انظر القاموس واللسان).
(٦) بالأصل وخع : «الحسن» خطأ.
(٧) بالأصل وخع : «داود» تحريف.
(٨) في خع : الغشابي.