بحرب. قال : فجمع قيصر بطارقته وقسّيسيه في قصره وأغلق عليهم الباب وقال : إن محمدا كتب إليّ يخيّرني بين إحدى ثلاث. إمّا أن أسلم ولي ما في يدي من ملكي ، وإما أن أؤدّي الخراج ، وإما أن آذن بحرب. وقد تجدون فيما تقرءون من كتبكم أنه سيملك ما تحت قدميّ من ملكي ، فنخروا نخرة حتى أن بعضهم خرجوا من برانسهم وقالوا : ترسل إلى رجل من العرب جاء في بردته ونعله بالخراج؟ فقال : اسكتوا ، إنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم ورغبتكم فيه ثم قال : ابتغوا لي رجلا ـ زاد ابن حمدان : من العرب ـ وقالا : فجاءوا بي ، فكتب معي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم كتابا وقال لي : انظر ما سقط عنك من قوله فلا يسقطنّ عنك ـ وقال ابن حمدان : يسقط عنك ـ ذكر الليل والنهار ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو مع أصحابه وهم محتبون بحمائل سيوفهم حول بئر تبوك ، قلت : أيكم محمد ، فأومأ بيده إلى نفسه فرفعت ـ وقال ابن المقرئ ـ فدفعت ـ إليه الكتاب ، فدفعه إلى رجل إلى جنبه ، فقلت : من هذا؟ فقالوا : معاوية بن أبي سفيان ، فقرأه فإذا فيه : كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السّماوات والأرض فأين النار؟ ـ زاد ابن حمدان : إذا وقالا : ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا سبحان الله إذا جاء الليل فأين النهار»؟ فكتبته عندي ثم قال ـ زاد ابن المقرئ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالا : ـ إنك رسول قوم ، وإن لك حقا ، لكن جئتنا ونحن مرملون» فقال عثمان بن عفان : أنا أكسوه ـ وقال ابن حمدان : قال عثمان : اكسوه ـ حلة صفورية (١) فقال رجل من الأنصار عليّ ضيافته ، فقال لي قيصر فيما قال : انظر إلى ظهره. فرأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أني أريد النظر إلى ظهره فألقى ثوبه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم في بعض الكتف. فأقبلت عليه أقبّله ، ثم قال ـ زاد ابن المقرئ : رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ إني كتبت إلى النجاشي فأحرق كتابي ، والله محرقه. وكتبت إلى كسرى عظيم فارس فمزق كتابي والله ممزقه ـ وقال ابن حمدان يمزقه ـ وكتبت إلى قيصر فرفع كتابي فلا يزال في الناس ما كان في العيش خير ـ فقال ابن حمدان : فلا يزال ـ الناس ذكر كلمة ـ ما كان في العيش خير ـ.
وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أبو بكر بن مالك ، نا عبد الله بن أحمد ، نا أبو عامر حوثرة بن أشرس ، أملاه علي ، أخبرني حمّاد بن سلمة ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم (٢) ، عن سعيد بن أبي راشد قال : كان
__________________
(١) الصفورية : جنس من الثياب (تاج العروس).
(٢) بالأصل «خيثم» والصواب ما أثبت ، وقد تقدم قريبا.