أصحابه ـ وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس ـ فسار أبو بكر إلى جنب أسامة ساعة ثم قال : استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك [إني سمعت](١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه. إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرج سريعا فوطئ (٢) بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام ـ جهينة وغيرها من قضاعة ـ فلما نزل وادي القرى قدّم عينا له من بني عذرة يدعى حريثا فخرج على صدر راحلته أمامه مغذّا حتى انتهى إلى أبنى فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق ، ثم رجع سريعا حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى فأخبره أن الناس غارّون (٣) ولا جموع لهم ، وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع (٤) الجموع وأن يشنها (٥) غارة.
أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، نا محمد بن شجاع ، نا الواقدي (٦) ، قال : فحدثني هشام بن عاصم ، عن المنذر بن جهم قال : قال بريدة لأسامة : يا أبا محمد ، إني شهدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أطاعوه خيّرهم ، إن أحبّوا أن يقيموا في ديارهم ويكونوا كأعوان (٧) المسلمين ، ولا شيء لهم في الفيء ولا في الغنيمة إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين ، وإن تحولوا إلى دار الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة : هكذا وصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرني ، وهو آخر عهده إليّ أن أسرع المشي وأسبق الأخبار ، وأن أشنّ الغارة عليهم بغير دعاء ، فأحرّق وأخرّب. فقال بريدة : سمعا وطاعة لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبّأ أصحابه وقال : اجعلوها غارة ولا
__________________
(١) ما بين معكوفتين زيادة عن خع والواقدي.
(٢) عن الواقدي وبالأصل : بلاد هادية.
(٣) عن خع وبالأصل «غازون» وغارون : غافلون.
(٤) بالأصل : يجتمع.
(٥) عن الواقدي وبالأصل وخع «شنها».
(٦) مغازي الواقدي ٣ / ١١٢٢.
(٧) كذا بالأصل وخع ، وفي الواقدي ومختصر ابن منظور : كأعراب.