شئت أغزيتهم ثم سكت وسكت الناس. إذا قال فقال لهم أبو بكر : ما ترون؟ فقال عثمان بن عفان : إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم ، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحا فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين ، فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار صدق عثمان ما رأيت من رأي فامضه ، فإنّا لا نخالفك ولا نتهمك ، وذكروا هذا وأشباهه ـ وعلي في القوم لم يتكلم ـ قال أبو بكر : ما ذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال : أرى إنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء الله فقال : بشّرك الله بخير ، ومن أين علمت ذلك قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون» [٤٥٠] فقال : سبحان الله ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني به سرك الله.
ثم إن أبا بكر رضياللهعنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلّى على نبيه صلىاللهعليهوسلم ثم قال : أيها الناس إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام وأكرمكم بالجهاد وفضّلكم بهذا الدين على كل دين. فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام. فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لهم. فأطيعوا ربكم ، ولا تخالفوا أمراءكم ، لتحسن نيتكم وشربكم وأطعمتكم ، ف (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١) قال : فسكت القوم فو الله ما أجابوا. فقال عمر : يا معشر المسلمين ما لكم لا تجيبون خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد (دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (٢) أما إنه (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً) (٣) لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال : يا ابن الخطاب ألنا تضرب الأمثال ، أمثال المنافقين؟ فما منعك مما عبت علينا فيه أن تبتدئ به؟ فقال عمر : إنه يعلم أني أجيبه لو يدعوني ، واغزو لو يغزيني. قال عمرو بن سعيد : ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا إنما نغزو لله. فقال عمر : وفقك الله فقد أحسنت ، فقال أبو بكر لعمرو : اجلس رحمك الله فإن عمر لم يرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه ، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى الأرض إلى الجهاد. فقام خالد بن سعيد فقال : صدق خليفة
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٨.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٢٣.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٤٢.