إنا لله وإنا إليه راجعون ، هلكتم والله إذا وهلكت. ثم قال : ويلكم انظروا وتأملوا. فجال الناس حتى وجدوا بقية منها. فقالوا : قد وجدنا بعضها. فكبّر وقال : قد أدركتم الرواء. وأمرهم فحفروا قريبا منها ، فكشفوا عن قليب كثير (١) الماء ، فتزوّد الناس منه. وقال رافع أما والله ما وردت قط إلّا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام صغير.
فقال في هذا عن رافع أبو أحيحة القرشي :
لله عينا رافع أنّى اهتدى |
|
في مهمه مشتبه نحو سوى |
والعين منه قد تغشاها الندى (٢) |
|
معصوبة كأنها ملأى ثرى |
فهو يرى بقلبه ما لا يرى |
|
من الصوى تترى له أثر الصوى (٣) |
إذ النقا بعد النقا إذا سرى |
|
وهو به خبرنا وما دنا |
وما رآه ليس بالقلب حسى |
|
قلب حفيظ وفؤاد قد وعى |
فوّز من قراقر إلى سوى |
|
والسير زعزاع (٤) فما فيه ونى |
خمس إذا ما سارها الجبس بكى |
|
في اليوم يومين رواحا وسرى |
ما سارها من قبل إنسي أرى |
|
هذا لعمري (٥) رافع هو الهدى |
ثم استقام لخالد الطريق ، وتواصلت به المياه حتى إذا أغار على مرج العذراوية (٦) على ناس من غسان فأصاب منهم. ثم مضى حتى نزل مع أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة على قناة بصرى ، فنزل معهم حتى صالحت بصرى على الجزية ، وكانت أول جزية وقعت بالشام في عهد أبي بكر.
وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد : أما بعد فدع العراق وخلف أهله فيه ، الذين قدمت عليهم وهم فيه. ثم امض مخففا في أهل القوة من أصحابنا الذين قدموا معك العراق من اليمامة وصحبوك من الطريق ، وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين. فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك ورحمة الله.
__________________
(١) عن خع وبالأصل «كبير».
(٢) الأصل وخع وفي المطبوعة «القذى».
(٣) الصوى جمع صوة ، الأعلام من الحجارة تكون منصوبة في المفازة المجهولة ، يستدل بها على الطريق.
(٤) أي شديد.
(٥) بالأصل وخع : هذا لعمرو.
(٦) هو مرج عذراء ، بطرف الغوطة.