وحوّلَ رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقداً لمحبّتهم(١) .
ومن ذلك أيضاً ما روي عن الإمام زين العابدين عليهالسلام أنّه وقف عليه رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه .
فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلساءه : لقد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه ، حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه .
فقالوا له : نفعل ، ولقد كنّا نحبّ أن يقول له ويقول ..
فأخذ عليهالسلام نعليه ومشىٰ وهو يقول : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً .
فخرج حتّى أتى منزل الرجل .. فقال : قولوا له : هذا عليّ بن الحسين .
فخرج إلينا متوثّباً للشرّ ، وهو لا يشكّ أنّه إنّما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه .
فقال له الإمام عليّ بن الحسين عليهالسلام : يا أخي إنّك كنتَ قد وقفت عليَّ آنفاً وقلت فقلت ، فإن كنت قلتَ ما فيَّ فأستغفر الله منه ، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك .
قال : فقبَّل الرجل بين عينيه وقال : بل قلتُ فيك ما ليس فيك وأنا أحقُّ به(٢) .
وهذا الخُلُق الشريف يبدّل العداء إلى الإخاء ، ويبدّل العداوة إلى المحبّة ، فيسود الخلق الطيّب في المجتمع .
وهذه من أهمّ الحِكَم الإلهيّة التي بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم في قوله عزّ اسمه : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )(٣) .
__________________________________
(١) بحار الأنوار / ج ٤٣ / ص ٣٤٤ .
(٢) بحار الأنوار / ج ٤٦ / ص ٥٤ .
(٣) سورة فصّلت : الآية ٣٤ ـ ٣٥ .