وقال ابن الصلاح أيضا : وعلى هذا يحمل قول العنبري «إنّه كذّاب» (١)!.
الثاني : اتهامه بالتشيع.
قال أبو أحمد بن عدي : ولعبد الرزاق أصناف وحديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأسا ، إلّا أنّهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما ذمّوه من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم ، وأمّا في باب الصدق فإني أرجو أنّه لا بأس به إلّا أنّه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (٢).
وهذه التهمة باطلة ، لقول عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : سألت أبي ، قلت : عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع؟ فقال : أمّا أنا فلم أسمع منه في هذا شيئا ، ولكن كان رجلا تعجبه أخبار الناس ، أو الأخبار (٣).
وعن عبد الرزاق قوله : واللّٰه ما انشرح صدري قطّ ، أن أفضّل عليا على أبي بكر وعمر ، رحم اللّٰه أبا بكر ، ورحم اللّٰه عمر ، ورحم اللّٰه عثمان ، ورحم اللّٰه عليّا ، من لم يحبّهم فما هو مؤمن ، وقال : أوثق عملي حبّي إياهم.
وفي نقل آخر عنه قوله : أفضّل الشيخين بتفضيل عليٍ إيّاهما على نفسه ، ولو لم يفضّلهما لم أفضّلهما ، كفي بي آزرا أن أحبّ عليّا ثمّ أخالف قوله (٤).
ونحن من خلال هذين النّصين لا نريد القول بتفضيل عبد الرزاق للشيخين على علي بن أبي طالب أو العكس وأنّ ذلك هو معيار التشيع وعدمه آن ذاك ، بل الّذي نريد قوله هو أنّ روايته أحاديث لم يوافقه الثقات لا يعني كونها موضوعة كما لا يعني عدم صحتها في نفسها ، لأنّ النكارة عند القوم هي رواية أحاديث لا يرتضونها ، وليس معناه عدم صحتها ـ حسب ما نوضحه في بحوثنا اللاحقة ـ وخصوصا لما عرفنا من
__________________
(١) مقدمة ابن الصلاح : ٥٩٧.
(٢) تهذيب الكمال ١٨ : ٦٠ عن الكامل.
(٣) علل أحمد ١ : ٢٣٣.
(٤) تهذيب الكمال ١٨ : ٦٠.