وأمّا ما ورد عن علي بن عبد اللّٰه بن عباس في عكرمة ، فهو الآخر لا يمكن الاستدلال به ، لوجود يزيد بن أبي زياد في سنده ، ويزيد ضعيف لا يحتج به (١).
وأمّا ما حكي عن سعيد بن المسيب من أنّه قال لبرد مولاه : لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس ، فهو من رواية إبراهيم بن سعد عن أبيه ، وإبراهيم فيه شيء (٢) ، ولو قلنا بصحّة الرواية فهي لا تنفع في تكذيب عكرمة وتضعيفه ، لأنّه جرح غير مفسّر السبب ، وهو لا يعارض تعديلات الأئمّة من أهل العلم له (٣) ، ونحن إنّما قلنا أنّه غير مبيّن السبب باعتبار أنّ تكذيب ابن المسيّب له كان مستندا على اجتهاد قد أخطأ فيه.
وأمّا ما روي عن سعيد بن المسيب أنّه قال : كذب مخبثان ، فهو على فرض ثبوته عن ابن المسيب ، فإنّه قد أخطأ قطعا باتّهام عكرمة بالكذب ، لأنّ هناك طرقا كثيره تروي أنّ ابن عبّاس قال : تزوّج النبيّ صلىاللهعليهوآله ميمونة وهو محرم ، فقد رواه عن ابن عباس سوى عكرمة : أبو الشعثاء (٤) ، وسعيد بن جبير (٥) ، ومجاهد
__________________
(١) انظر تهذيب الكمال ٣٢ : ١٣٧.
(٢) لأنّه ليس بذاك الضابط في الحديث ، فلربما يغلط فيه ـ على ما هو صريح ابن سعد في الطبقات ٧ : ٣٢٢ ـ وقد لينه يحيى بن سعيد القطان لهذه العلة ـ على ما هو المحتمل قويا ـ وأرده كل من الذهبي وابن عدي في الميزان ١ : ٣٤ والكامل ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٠ ، ومما يدل على عدم ضبطه أنّ له أحاديث غير مستقيمة عن الزهري وعن غيره ، وقد استعرض بعضها ابن عدي في الكامل فراجع.
(٣) كالبخاري وابن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وغيرهم ، قال ابن مندة : عدّله أمة من التابعين تزيد على سبعين رجلا من خيار التابعين ، وهذه منزلة لا تكاد توجد لأحد من كبار التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه ولم يستغن عن حديثه ، وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح. حتّى أنّ مسلما ـ وكان أسوأهم رأيا فيه ـ أخرج له مقرونا بغيره. (انظر تهذيب الأسماء ١ : ٣٤١ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٦٣ ومقدمة فتح الباري : ٤٢٨ ، ٤٢٤ ، ٤٢٩. وأخيرا في الحديث والمحدثون : ١٧٨).
(٤) انظر مسند أحمد ١ : ٢٢١ ، ٢٢٨ ، ٣٣٧.
(٥) انظر مسند أحمد ١ : ٢٢١ ، ٢٢٨ ، ٣٣٧.