معرّسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رءوسهم (١).
إن هذا النص وأمثاله مما يؤكد فكرة خضوع الأحكام الشرعية لرأي الخليفة ، إذ ترى أبا موسى الأشعري ـ وهو من كبار الصحابة ـ لا يمكنه أن يفتي بحكم المتعة ، لأنّه لا يدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك!! بل يجب عليه التروّي حتى يأتي أمر الخليفة وقراره الأخير فيه!! فإذا كان هذا فعلهم مع الصحابة الإحياء ، فكيف بالصحابة الأموات وبعد قرون من الزمن؟! إننا لا نستبعد ـ من أجل تقوية الجناح الحاكم ـ أن يسبوا إلى أعيان الصحابة قولا في النهي أو التشريع يوافق مذهب الخليفة ، وهذا ما فعلوه بالفعل في كثير من المسائل :
فقد نسب القول بتحريم المتعة إلى بعض أعيان الصحابة ، منهم : عليّ بن أبي طالب وابن عبّاس وابن مسعود وجابر (٢) وغيرهم ، مع أنّ الثابت القطعي ـ في نصوص كثيرة ـ عن هؤلاء تؤكّد قولهم بالتحليل (٣).
وإنّا قد ناقشنا كلام ابن القيم في متعة النساء ـ حين جعل حديث علي في النهي دليلا للتحريم ـ بقولنا : لا ندري متى ثبتت حرمة التمتع بالنساء عن عليّ حتى يصح جعله دليلا للمطلوب ، في حين كان الإمام وابن عمه عبد اللّٰه بن عبّاس في طليعة المجيزين له والقائلين (لو لا نهي عمر لما زنى إلا شقي أو إلّا شفى) (٤) ، وقد كذّب ابن عبّاس عبد اللّٰه بن الزبير في ادعاء تحريم ذلك حين أحاله على امّه ليسألها عن ذلك. (٥) وقوله للذين لا يعملون بقول الرسول وفعله : ما أراكم منتهين حتّى يعذبكم اللّٰه ـ وفي آخر : حتّى يصيبكم حجر من السماء ـ نحدّثكم عن النبيّ صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٦ / ١٥٧ ، مسند أحمد ١ : ٥٠ ، سنن النسائي (المجتبى) ٥ : ١٥٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٠ ، تيسير الوصول ١ : ٣٤٠ / ٣٠ ، سنن ابن ماجة ٣ : ٩٩٢ / ٢٩٧٩.
(٢) انظر : فتح الباري ٩ : ١٤٢ ، أحكام القرآن ، للجصاص ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ : ١٣٢ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٥٧٢ ، المبسوط للسرخسي ٥ : ١٥٢ ، المهذب في فقه الشافعي ٢ : ٤٦ ، تحفة الاحوذي ٤ : ٢٦٧.
(٣) انظر المحلى ، لابن حزم ٩ : ٥١٩.
(٤) النهاية ٢ : ٢٤٩ و ٤٨٨.
(٥) المحاضرات للراغب الأصفهاني ٢ : ٩٤ وانظر الطبراني (١٠٧٢١) وعنه في جامع المسانيد ٣١ : ١٥٢