قال اليعقوبي في تاريخه : وفي هذه السنة ـ يعني سنة أربع عشر بعد الهجرة ـ سنّ عمر قيام شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان ، وأمر أبيّ بن كعب وتميما الداري أن يصلّيا بالناس ، قيل له في ذلك : إن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله لم يفعله ، وإن أبا بكر لم يفعله ، فقال : إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة (١).
وذلك لأنّه صلىاللهعليهوآله كان قد خرج في رمضان ليلا للصلاة في المسجد فأتم به الناس ، وفي اليوم الثاني كثر العدد ، وفي اليوم الثالث كانوا أكثر ، حتّى خرج بهم إلى خارج المسجد ، فترك الرسول الخروج إلى المسجد خوف أن تفرض عليهم (٢) ، فقد جعلوا هذا الخبر وأمثاله دليلا على مشروعية صلاة التراويح وترى الرسول صلىاللهعليهوآله في النص السابق قد تركها ولم يرتض الإتيان بها جماعة في المسجد!! فالناس ـ أصحاب الرأي والاجتهاد ـ كانوا يريدون تشريع هذا الأمر ويصرّون على النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يأتي إلى المسجد للصّلاة بهم ، بحيث كان بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم (٣) ، ويقول الآخر : الصلاة ، الصلاة ، ورسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله يقول لهم : (خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به (٤)) أو قوله في خبر زيد بن ثابت (أيّها الناس ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإنّ خير صلاة المرء في بيته إلّا الصلاة المكتوبة) (٥).
فهذا الخبر دليل على عدم مشروعية هذه الصلاة ، لعدم ارتضاء رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله الصلاة بهم حتى آخر حياته ، وكذا في عهد الخليفة الأول أبي بكر ، حيث لم يكن لها وجود آن ذاك ، وشطرا من خلافة عمر.
لكنّ الخليفة عمر بن الخطّاب فيما بعد ارتضى هذا الأمر وسعى لتشريعه بكتابته
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٠.
(٢) كنز العمال ٧ : ٨١٧ ح ٢١٥٤٢ ، وأخرجه النسائي في كتاب قيام الليل ، باب قيام شهر رمضان عن عائشة.
(٣) الفتح الرباني ٥ : ١٣.
(٤) الفتح الرباني ٥ : ١٣ ، كنز العمال ٧ : ٨١٦ ح ٢١٥٤١ وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب استحباب صلاة النافلة في بيته.
(٥) الفتح الرباني ٥ : ١٣ ، كنز العمال ٧ : ٨١٦ ح ٢١٥٤١ وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب فضل التطوع في البيت.