للحفظ أو غير ذلك ، وغاية ما أخذ عليه أنّه يخطئ في أحاديث! فلو التزم بتضعيف من كانت هكذا حاله من الأئمّة لكان أول من يقال بتضعيفه هو الإمام البخاري ، لأنّه يشترك مع أبي داود بكثرة الرواية وسعة الحفظ ، وهذا النوع من الغلط.
فالبخاري كان يسمع الحديث في البصرة ويحدّث به في الشام اعتمادا على حفظه ، وهذا يؤدّي إلى الغلط قطعا.
والحاصل : فإن مثل هذا الغلط يتوقع ممّن كان واسع الحفظ ، كثير الرواية ، فغلطه ناشئ من سعة ما يحفظ لا من سوء الحفظ أو قلّة الضبط.
ونحن لا نريد هنا الحكم بإمكان الاحتجاج به واقعا أو عدمه ، بل الذي نريد قوله : هو أنّ أهل العلم من أهل السنة والجماعة إمّا أن يحتجّوا بكلام محدّث كالطيالسي ، مع ملاحظة أنّ الغلط من هكذا محدّث ليس ملكة فيه وإنما هو غلط عاديّ ناشئ من سعة حفظه ، وإمّا أن لا يحتجّوا به ، فإن التزموا الأوّل فلا بدّ من الأخذ بهذه الرواية وأمثالها ، وإن التزموا الثاني فعليهم أن يسقطوا الاحتجاج بكلّ الأئمة وأساطين الحديث ، لأنّه ما منهم أحد إلّا وقد غلط في أحاديث ليست بالقليلة! ومهما يكن فإن أهل العلم قد احتجوا بأبي داود وممّا يدلّ أن هذا الحديث ليس من تلك الأحاديث الّتي يقال : أنّ أبا داود أخطأ فيها ، أنّ ابن عدي لم يذكر في كاملة هذا الحديث ، فراجع.
أما ما يمكن قوله كجرح في أبي داود فهو : عدم إخراج البخاريّ له أصلا في جامعه ، بل كلّ ما فيه أنّه روى له في الأدب واستشهد به في تفسير قوله تعالى (قُمْ فَأَنْذِرْ) في القراءة خلف الإمام (١) ، وهذا يعني أنّه لا يحتجّ به! فنجيبهم بقول الذهبي حيث قال : ولم يخرج البخاريّ لأبي داود شيئا لأنّه سمع من عدّة من أقرانه ، فما احتاج إليه (٢).
ونضيف إليه : إنّ عدم إخراج البخاريّ لمحدّث ما لا يستلزم عدم الاحتجاج به كما هو واضح.
__________________
(١) صحيح البخاري ٨ : ٦٧٧.
(٢) سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٨٣.