ونحن قد وضّحنا سابقا أنّ الذهبي توقف في صحة هذه النسبة إلى البخاري ، باعتبار أنّ البخاري لم يحتج به في جامعه الصحيح.
ولو تفحصت صحيح البخاري لما رأيته يروي عن عمرو بن شعيب فضلا عن أن يكون قد احتج به ، فعدم احتجاج البخاري به دراية وأمر محسوس لكل متتبع لجامعه الصحيح ، وقوله السابق رواية ، والدراية والقول عن حس مقدم على الرواية والظن عند جميع العقلاء.
وما أحوج البخاري وجامعه الصحيح إلى هذه الرواية التي تحكي الوضوء البياني برواية صحابي آخر ، فالبخاري ما روى عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص إلّا «ويل للأعقاب من النار» ، وهي تدل على الوضوء بالمفهوم لا بالمنطوق ، فلو كان الخبر الآنف ـ رواية شعيب عن أبيه عن جده ـ صحيحا لما توانى عن إدراجها في جامعه الصحيح ، فتأمل جيدا!! وربّما يقال : إنّ ما صرح به ابن حبّان من عدم سماع شعيب من عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص يخالفه ما أثبته الدار قطني ـ من خلال أكثر من رواية ـ من سماع شعيب لجدّه عبد اللّٰه.
ويجاب على ذلك : بأنّ الروايات التي صرح شعيب فيها بالسماع عن جده قد تكون معلولة لاستبعاد أن يكون مثل ابن حبان (الرجالي المحدث) لم يقف عليها بل يمكن أن يكون فيها أشياء قد خفيت على الدار قطني هذا أولا.
وثانيا : إنّ الدار قطني حينما أثبت سماع شعيب عن جده عبد اللّٰه بن عمرو لا يريد أن يحدد الجدّ به ، لكونه مشترك بين ثلاثة حسب قوله : «لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد الأدنى منهم محمد ، والأوسط عبد اللّٰه ، والأعلى عمرو ، وقد سمع ـ يعنى شعيبا ـ من الأدنى محمد ، ومحمد لم يدرك النبي صلىاللهعليهوآله وسمع جده عبد اللّٰه ، فإذا بيّنه وكشفه فهو صحيح حينئذ .. (١)».
فقوله «فإذا بيّنه وكشفه فهو صحيح حينئذ» يرشدنا إلى أنّه لو لم يبيّنه ويكشفه فحديثه غير صحيح أو ممّا يتوقف فيه ، فتأمل جيدا في قوله فلن تجد غير ما ذكرنا.
وخلاصة القول : إنّ روايته عن أبيه عن جده مع إجمال الجد وتردده بين
__________________
(١) تهذيب الكمال ٢٢ : ٧٣.