ـ المتفق عليها ـ من روايات المسح.
فقال ابن رشد :
(وقد رجّح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه صلىاللهعليهوآله إذا قال في قوم : لم يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء (ويل للأعقاب من النار) ، قالوا : فهذا يدل على أنّ الغسل هو الفرض ، لأنّ الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب ، وهذا ليس فيه حجه لأنّه إنّما وقع الوعيد على أنّهم تركوا أعقابهم دون غسل ، ولا شك أنّ من شرع في الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم ، كما أنّ من شرع في المسح ففرضه المسح عند من يخير بين الأمرين ، وقد يدل هذا على ما جاء في أثر آخر خرّجه أيضا مسلم أنّه قال : فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى (ويل للأعقاب من النار) ، وهذا الأثر وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح فهو أدل على جوازه منه على منعه ، لأنّ الوعيد إنّما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة ، بل سكت عن نوعها ، وذلك دليل على جوازها ، وجواز المسح هو أيضا مروي عن بعض الصحابة ..) (١).
فأمّا قول ابن رشد : «لأنّ الوعيد إنّما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة بل سكت عن نوعها» يعني به أنّ على النبي ـ باعتباره المبلغ والمبين لأحكام السماء ـ أن يصرح بالغسل أو ينهى عن المسح حينما رآهم فعلوا ذلك ، فسكوت النبي صلىاللهعليهوآله عن حكم المسح واكتفائه بجملة (ويل للأعقاب من النار) دون التصريح بالغسل يدل على جواز المسكوت عنه وهو المسح ، وعدم دلالة هذه الجملة على الغسل.
أمّا قوله (إنّما تعلق فيه بترك التعميم) فيمكن الإجابة عنه بأنّه لو أراده صلىاللهعليهوآله لبينه ، كما تستدعيه وظيفته الإلهية ، فلمّا لم يبينه عرفنا أنّه لم يرد التعميم.
هذا وقد نقل العيني قول الطحاوي : لمّا أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منها لمعة ، دل على أنّ فرضها الغسل ، ثم نقل اعتراض ابن المنير : بان التعميم
__________________
(١) بداية المجتهد ١ : ١٥.