الدكتور حسن إبراهيم حسن : «.. وهنا غيّر عمرو بن العاص سياسته دفعة واحدة ، وأصبح في حزب عثمان ، لأنّه كان ـ كما لا يخفى ـ من أشد الناس دهاء ، وكان لا يعمل عملا إلّا إذا تأكد من نجاحه ، يدلك على ذلك أنّه لم يسلم إلّا بعد أن ظهر له ظهورا بينا أنّ محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم سوف ينتصر ، وما كان ذهابه إلى الحبشة إلّا ليرى ما يكون من أمر محمد وقريش ، فإن كانت الغلبة لقريش كان على أولى أمره مع رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، ولم يكن قد خذل قريشا بالقعود عن نصرتها ، ولكنّه أسلم ودخل في الإسلام لمّا رأى أنّ أمر النبي صلىاللهعليهوآله ظاهر على قريش لا محالة ، كذلك كان حاله في هذا الظرف ، فتبين له بثاقب رأيه وبعد نظره أنّ هذه الثورة لن تنتهي إلّا بحدوث انقلاب في حالة الأمة العربية ، ولم يكن عمرو بالرجل الساكن الذي لا يلتزم الحيدة في مثل تلك الظروف ، بل لا بد من دخوله في هذه الاضطرابات ، وأن يكون له ضلع فيها ، عسى أن يناله من وراء ذلك ما كان يؤمل منذ زمن طويل ، لأنّه كان طموحا إلى العلا (١)».
وقد نال ما كان يأمله من أمور الولاية والزعامة ، فقد ولي سرية (ذات السلاسل) من قبل رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، وقاد الجيش الإسلامي لفتح فلسطين على عهد أبي بكر ، ومنه افتتح مصر على عهد عمر بن الخطاب في سنة ثماني عشرة من الهجرة ، فقال الذهبي عنه «.. وولى أمرته (أي مصر) زمن عمر بن الخطاب وصدرا من دولة عثمان ، ثم أعطاه معاوية الأقاليم ، وأطلق مغله ست سنين ، لكونه قام بنصرته ، فلم يلي مصر من جهة معاوية إلّا سنتين ونيفا ، ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة» (٢).
وقال عنه أيضا : «كان من رجال قريش رأيا ودهاء وحزما وبصرا بالحروب ، ومن أشرف ملوك العرب ، ومن أعيان الصحابة ، واللّٰه يغفر له ويعفو عنه ، ولو لا حبه للدنيا ودخوله في أمور لصلح للخلافة ، فإنّ له سابقة ليست لمعاوية ، وقد تأمّر على أبي بكر وعمر لبصيرته بالأمور ودهائه» (٣).
وقد شرح الدكتور حسن إبراهيم حسن نفسية عمرو بن العاص وحبه للأمارة
__________________
(١) تاريخ عمرو بن العاص للدكتور حسن إبراهيم حسن : ٢٤٠.
(٢) سير أعلام النبلاء ٣ : ٥٨.
(٣) سير أعلام النبلاء ٣ : ٥٩.