ومما قاله هو «.. وقد بلغ حب عمرو للأمارة أنّه حين أراد أن يعقد أبو بكر الألوية لحرب الشام ، كلّم عمرو بن العاص عمر بن الخطاب أن يخاطب أبا بكر في تأميره على جيوش المسلمين بدل أبي عبيدة ، وقد قدمنا أنّ عمروا كان أميرا على أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم أيام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ..». (١)
نعم كانت هذه هي نفسية عمرو بن العاص ، وقد عرفها الجميع عنه ، خصوصا ولديه محمد وعبد اللّٰه ، والذي يحز في النفس أن نرى ابنه الزاهد العابد عبد اللّٰه!! يتبع والده على ما ساقه هواه ونفسه في حربه ضد علي بن أبي طالب ، إذ عرّفه ـ حينما استشاره ـ بأنّ الدنيا مع معاوية والآخرة مع علي.
فلو كان يعرف هذا فكيف به يدخل جيش معاوية ضد على ، وهل يصح ما علله لفعله من سماعه لأمر الرسول باتباع أبيه؟!! مما لا نشك فيه أنّ الباري جل وعلا قد أمر الناس بإطاعة الوالدين ، وأنّ الرسول الأكرم قد دعا المسلمين بلزوم تلك الطاعة ، لكنّنا في الوقت نفسه لا نصدق تعميم هذا الحكم حتى لو كانت في أوامر الوالدين معصية للخالق ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فمن جهة يعلم عبد اللّٰه بأنّ عليا مع الحق وأنّ المحاربة معه محاربة للحق ـ لنهيه والده (٢) ومن جهة أخرى نراه يصير قائدا من قواد جيش معاوية.
بلى ، إنّ عبد اللّٰه بن عمرو أكد في عدة نصوص بأنّ جبهة معاوية هي الفئة الباغية ، فقد حكي عبد الرحمن السّلمي بقوله : لمّا قتل عمار دخلت عسكر معاوية لأنظر هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا ، وكنّا إذا تركنا القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم ، فإذا معاوية ، وعمرو ، وأبو الأعور ، وعبد اللّٰه بن عمرو يتسايرون ، فأدخلت فرسي بينهم لئلّا يفوتني ما يقولون.
قال عبد اللّٰه لأبيه : يا أبه ، قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ما قال.
قال : وما قال؟
__________________
(١) تاريخ عمرو بن العاص : ١٠٨.
(٢) انظر الكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٥ أواخر حوادث ست وثلاثين ،