قال : ألم يكن المسلمون ينقلون في بناء مسجد النبي لبنة لبنة ، وعمار لبنتين لبنتين ، فغشي عليه ، فأتاه رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول :ويحك يا ابن سمية ، الناس ينقلون لبنة لبنة ، وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الأجر ، وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الباغية. قال عمرو لمعاوية : أما تسمع ما يقول عبد اللّٰه؟
قال : وما يقول؟
فأخبره ، فقال معاوية : أنحن قتلناه؟ إنّما قتله من جاء به ، فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنّما قتل عمار من جاء به ، فلا أدري من كان أعجب أهو أم هم ..) (١)
وعليه ، فعبد اللّٰه كان يعرف بأنّ أباه ومعاوية هما أئمة الفئة الباغية وهما اللذان قتلا عمارا ، وإنّ اعتراضه عليهما يكشف عن ذلك ، فكيف يبقى معهم حتى آخر المطاف؟! ويحضر مجلس يزيد (٢)؟!! وبم يمكننا أن نفسر هذه المشاركة منه ، وهل يصح ما علله من سبب لالتحاقه بجيش معاوية؟! ألم يكن موقفه هذا هو عون للظلمة المنهي عنه في الذكر الحكيم. وللتأكيد إليك خبرا آخر في هذا السياق.
جاء في الاستيعاب وأسد الغابة : أنّ الحسين بن علي مرّ على حلقة فيها أبو سعيد الخدري ، وعبد اللّٰه بن عمرو بن العاص فسلّم ، فردّ القوم السلام وسكت عبد اللّٰه حتى فرغوا ، ثم رفع صوته ، قال : وعليك السلام ورحمة اللّٰه وبركاته.
ثم أقبل على القوم وقال : ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟
قالوا : بلى قال : هذا هو الماشي ، ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين! ولأن يرضى عني أحب اليّ من أن يكون لي حمر النعم؟
فقال أبو سعيد : إلّا تعتذر إليه؟
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٣١١ ، وفي العقد الفريد ٤ : ٣١٩ فلمّا بلغ عليا ذاك قال : ونحن قتلنا أيضا حمزة لأنا أخرجناه!!!
(٢) انظر تاريخ الطبري وغيره.