أسانيد الغسل مغلوبة كما وكيفا حسب ما تقدم تفصيله.
هذه من جهة السند ، أمّا من جهة الدلالة فإنّ إصرار الصحابة الماسحين على المسح ونبذهم لمقولة الغسل ليوحى إلى ضياع معالم الدين ، فإنّ تباكي أنس بن مالك وقوله : ضيّعتم كل شيء وحتى الصلاة ليؤكد هذه الحقيقة.
وعليه يسوغ للباحث الموضوعي المتعقل أن يحتمل احتمالا ـ بشكل لا يخلو من نحو اعتبار ـ وخصوصا حينما لم يقف على شرعية الغسل عن رسول اللّٰه أن يقول بأنّ الوضوء الغسلي لا يتفق مع تشريع اللّٰه ورسوله. لأنّ اعتراض حبر الأمة (ابن عباس) على الربيع ، وتخطئة خادم الرسول (أنس بن مالك) للحجاج ، واستدلال صهر الرسول وزوج بنته الإمام علي بالرأي ـ من باب الإلزام ـ وقوله (.. لكان باطن القدم أولى بالمسح من ظاهره) ليرشدنا إلى سقم الروايات الغسلية عنه صلىاللهعليهوآله ، بل إنّ هذه الاعتراضات والأقوال تضعّف ما ادعاه البعض من إجماع الصحابة والتابعين على الغسل ، بل إنّها تؤكد صدور العكس عنه صلىاللهعليهوآله ، وإنّ ما جاء عنه صلىاللهعليهوآله في الغسل قد كثر في عهد الأمويين بالذات ، وهذا ما نثبته بالأرقام في القسم الثاني من بحثنا الروائي.
نعم قد أجمعت المذاهب الأربعة على الغسل ، وأنت تعلم بأنّ إجماع هؤلاء لا يمكن أن يرجح على ما جاء عن عهد الصحابة وثبوت اختلافهم في الوضوء.
وإنّ الباحث المحقق يعرف بأنّ الغسل جاء لا حقا وتبعا لمواقف الخلفاء (الأمويين والعباسيين) وإنّ الناس أبو إلّا ذلك ، لقرب الغسل إلى الرأي والاستحسان.
وبعد هذا فلا يحق لنا ولا لغيرنا أن يدعي إجماع الأمة على الغسل أو المسح ـ أو القول بأنّ الغسل هو سنة رسول اللّٰه لا غير ـ لثبوت اختلاف الصحابة في ذلك ، ولمعرفته بعدم ثبوت الغسل عنه صلىاللهعليهوآله ، فإن جعل القائل المدعي دليلا هو مصادرة بالمطلوب حسب تعبير الأصوليين ، ولا يمكن قبوله والركون إليه لعدم ثبوته عندنا.
وعليه فيكون ما ادعيناه هو الأقرب إلى نفسية عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ـ وإن كانت روايات الغسل عنه ضعيفة سندا ـ وذلك لامتلاكه روحية الاجتهاد قبال النص ، وعثوره على زاملتين من اليهود ، وتحديثه بها ، ولما شرحناه من ملابسات أخرى في هذه الدراسة.