ذلك اليوم ، خرج إلى أعلى الجبل وقعد ينتظر الوعد ، فإذا سحابة عظيمة سوداء قد جاءت من ناحية البحر حتى قربت من البلد ، ثم جاءت ريح فهبّت في وجهها فردّتها عنهم ، فخرج فارا مغاضبا لربّه حيث ردّ عنهم البلاء.
فهذا من بعض أقوالهم الخبيثة في قصة يونس عليهالسلام.
ومقتضى هاتين الكذبتين عليه أنّه سخط أحكام ربّه ، ولم يرض بقضائه ، ولا أذعن لحكمه!.
وحاشى وكلاّ أن يفعل ذلك أنبياء الله تعالى مع العصمة والنّزاهة فيما دون ذلك كما قدمناه.
فإنّ غضب العبد على ربّه إنّما هو ألاّ يرضى بحكمه ولا بإرادته. وهذه هي المناقضة والكفر الصّراح.
قال تعالى لنبيّنا عليهالسلام : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٤ / ٦٥].
فنفى الله الإيمان عمّن لم يرض بحكم الله تعالى وحكم نبيّه عليهالسلام. وقال عليهالسلام في دعائه (١) : «لك العتبى حتى ترضى». والأمر أظهر من الاستدلال عليه.
فصل
فإن قيل : إذا لم تصح هذه المغاضبة لربّه على هذا الوجه ، فما الصّحيح الذي يعوّل عليه فيها؟! وكذلك المطالبة في لوم الله تعالى له حيث قال : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ
__________________
(١) لك العتبى : الرّجوع مما يكره إلى ما يحبّ.
ـ والدّعاء بتمامه في السيرة النبوية ١ / ٤٢٠ وذلك في خير وفوده عليه الصلاة والسلام على ثقيف في الطّائف.