وَهُوَ مُلِيمٌ) [الصافات : ٣٧ / ١٤٢] ، وكذلك في قوله تعالى لنبيّه عليهالسلام : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم : ٦٨ / ٤٨].
وكذلك في قولة نبينا عليهالسلام (١) : حمّل أخي يونس أعباء الرّسالة فانفسخ تحتها كما ينفسخ الرّبع.
قلنا : أما مغاضبته عليهالسلام ، فكانت لقومه لا لربّه ولا يجوز ذلك عليه ، وأنّى وقد جاء في الخبر أنّه عليهالسلام قال : «والّذي نفسي بيده لو لم يبلّغ نبيّ الرسالة إلى قومه لعذّب بعذاب قومه أجمعين» ، ـ نقل على المعنى ـ وإنّما كانت لقومه لما نال منهم من الأذيّة ، فاحتمل أذاهم حتّى ضاق صدره ، ويئس من فلاحهم ، ففرّ بنفسه بعد ما بلّغ غاية التّبليغ كما أمره الله تعالى.
ثم غلب ظنّه لسعة حلم الله تعالى ألاّ يطلبه بذلك الفرار لكونه قد أدّى ما عليه ، وهو معنى قوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء : ٢١ / ٨٧] أي أن لن نضيّق عليه. قال تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) [الطلاق : ٦٥ / ٧] أي ضيّق. وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الزمر : ٣٩ / ٥٢] أي يضيّق.
ويحتمل أنه ظنّ أن قدرة الله تعالى لم تتعلّق بإيلامه وسجنه تفضّلا منه ، وأنّه تعالى يعفو عنه في ذلك الفرار ، فوقع خلاف ظنّه.
وهذا هو الّذي يجوز أن يعتقده الأنبياء ، وأن يعتقد فيهم.
__________________
(١) نقل القرطبي : في الخبر في وصف يونس عليهالسلام أنه كان ضيّق الصّدر ، فلما حمل أعباء النبّوّة تفسخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثقيل ، فمضى على وجهه مضيّ الآبق النادّ.
ـ وفي اللغة تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثقيل وذلك إذا لم يطقه.
والرّبع : ما ولد من الإبل في الربيع.