وقال الفجرة : إنّه ظنّ أن لا يقدر الله عليه ، أن لا يمكنه أن يفعل فيه!! وهذا كفر صراح لا يمكن أن يعتقده مقلّد في الإيمان ، فكيف نبيّ؟.
وقد تذاكرت مع طالب من طلبة الأندلس ملحوظ بالطّلب ، فقال لي ذلك ، وبالإجماع أنه من ظنّ أن لا يقدر الله ـ عز وجل ـ عليه على وجه العجز عنه أو الفوت من قضائه وقدره فهو كافر.
وأمّا قوله تعالى : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) [الصافات : ٣٧ / ١٤٢] أي أتى ما يلام عليه. وليس كلّ من أتى ما يلام عليه يقع لومه. فإن كان تعالى لم يلمه ، فقد اندفع الاعتراض لعدم اللّوم ، والأظهر أنه لم يلمه ، إذ لو وقع اللّوم لقال : وهو ملوم ، وإن كان لامه فاللّوم قد يكون عتابا ، وقد يكون ذمّا ، فإن صحّ وقوع لومه فكان من الله عتابا له على فراره لا ذمّا ، إذ المعاتب محبور (١) والمذموم مدحور.
فاعلم ـ رحمك الله ـ صحّة التّفرقة بين اللّوم والذّم ، قال الشّاعر : (٢)
لعلّ عتبك محمود عواقبه |
|
فربّما صحّت الأجسام بالعلل! |
وقال آخر : (٣)
إذا ذهب العتاب فليس ودّ |
|
ويبقى الودّ ما بقي العتاب |
وقال آخر (٤) :
لو كنت عاتبتي لسكّن لوعتي |
|
أملي رضاك وزرت غير مراقب |
لكن صددت فما لصدّك حيلة |
|
صدّ الملول خلاف صدّ العاتب |
__________________
(١) محبور : مسرور ، ومنعم عليه.
(٢) البيت للمتنبّي في ديوانه (بشرح العكبري) ٣ / ٨٦ ، وقد سبق.
(٣) البيت في التمثيل والمحاضرة ٤٦٥ ، وفي الأمثال والحكم للرّازي ١٠٣ ، ولم ينسباه.
(٤) لم أقف على قائله.