العاشر : قوله لها : (وَقَرِّي عَيْناً) [مريم : ١٩ / ٢٦] فعلمت بكلامه الخارق أنّه لا يكذبها فأنست.
الحادي عشر : أنه علّمها كيف تجيب إذا سألها قومها في قوله لها : (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ١٩ / ٢٦].
ألا ترى إلى طمأنينتها إلى (مبارأة) (١) ولدها ، كيف أتت به قومها تحمله ظاهرا لهم. وقد كادت (٢) تفرّ به إلى بلد آخر أو تخفيه ما استطاعت فلا يشعر به قومها؟
فلمّا طابت نفسها به في إقامة حجّتها عند قومها أتتهم به تحمله ظاهرا لهم.
فهذه ـ رحمك الله ـ سبعة أحوال ثوّبها ربّها عليها بثمانية عشر حالا ، سبعة منها قبل الهزّ ، وأحد عشر بعده ، كلّها تتضمّن من البسط والأنس والكرامات ما يدلّ على رفعة شأنها وعزّة مكانها عند ربّها. فكيف تبخس هذه الصّدّيقة في حقّها وتحطّ عن مقامها في الهزّ؟!.
ويعضد ما رمناه من علوّ المقام لها في ذلك الوقت صحّة الشّبه في قوله تعالى لأيّوب عليهالسلام : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) أراد تعالى أن يريه عاقبة صبره ، وبركة تصرّفه ، وفائدة ركضه ، وثمرة لمسه الأرض بأخمصيه. ومعلوم أنّ المياه لا تنبع بسبب الرّكض ، على مجرى العادة (٣).
وإنّ الرّكض يخرج مخرج الهزّ حرفا بحرف.
__________________
(١) في الأصل المخطوط : (مبارات) غير واضحة ومهملة من النقط ، وكأنها كما رسمت : مبارأة.
ـ وفي اللسان : بارأت فلانا برئت إليه وبرئ إليّ.
(٢) في الأصل المخطوط : (كانت). ورجحت قراءة (كادت) لاستقامة المعنى.
(٣) قال الجوهري في الصحاح : الركض تحريك الرّجل ، ومنه قوله تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) وفي اللسان : ركض الأرض والثوب : ضربهما برجله.