شاركه في الملّة والأبوة ، فلم أخذ في القصّة مع موسى عليهالسلام ولم يأخذ فيها مع إبراهيم عليهالسلام مع هذه المرّات؟ وتصوّر المسألة مبنيّ على ما جاء من أنّ موسى عليهالسلام في السّادسة وإبراهيم عليهالسلام في السّابعة. ومن صحّ عنده أنّ موسى في السّابعة وإبراهيم عليهالسلام في السّادسة فلا غرو أن يتفاوض مع أول من لقي من الأنبياء ، وإن صحّ أنّ موسى عليهالسلام في السّادسة وإبراهيم عليهالسلام في السّابعة كما تقدّم فلا بدّ من ذكر اختصاصه معه في المفاوضة. وذلك يحتمل خمسة أوجه :
الأول : منها أن يكون موسى عليهالسلام سأله إذ مرّ به ، وإبراهيم عليهالسلام لم يسأله ، فلمّا لم يسأله لم يخبره.
الثاني : أنه اختصّ موسى بالمفاوضة لأنه قد حنّكته معالجة بني إسرائيل قبله ، وجرّبهم فلم يفوا بما كلّفوا ، وإبراهيم عليهالسلام بعث بالموعظة الحسنة ، فلم يقبل في الإيمان ، فلم تقع طاعة ، فلم تتصوّر تجربة ، وإن كان قبله أفذاذ من الناس فالنّادر لا يحكم به. ويعضد هذا التفسير قول موسى عليهالسلام له : «ارجع إلى ربّك فاسأله أن يخفّف عن أمتك فإنّي قد عالجت بني إسرائيل قبلك» ... الحديث. فقصد عليهالسلام موسى لأنّه كان مجرّبا.
الثالث : أن إبراهيم عليهالسلام أب وموسى أخ ، وكان في معلوم الله تعالى أن يسعف موسى عليهالسلام من وجه ولا يسعفه من وجه ، حيث قال له موسى عليهالسلام بعد فرض الخمسة : «ارجع إلى ربّك فقال : إني أستحيي» فيسوغ هذا في مراجعة الأخ ولا يسوغ في مراجعة الأب.
الرابع : أن موسى عليهالسلام كان له حظّ في أجور هذه الأمّة في قوله عليهالسلام لمّا أخبر بتضعيف (١) أجور أمّة أحمد وفضلهم على جميع الأمم : «قال ربي اجعلني من أمة أحمد».
__________________
(١) أي بمضاعفة.