قاله يفاوضه في ذلك ليحلب حلبا له شطره ، قال تعالى لنبينا عليهالسلام : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [القصص : ٢٨ / ٤٤] ، قال المفسّرون (١) : يعني إذ قضينا في فضلك وفضل أمّتك حتى قال موسى : «ربّ اجعلني من أمة أحمد».
الخامس : أن يكون قصده لموسى للشّبهة التي كانت بينه وبين نبيّنا عليهالسلام في البعث بالسّيف ، والتّنجيم في العقوبة ، وكانت خصوصا في بني إسرائيل بامتداد الأيام وكثرة السامعين المطيعين له ، وكثرة التّبع ، فإنّه ما بعد تبع نبيّنا عليهالسلام في الآخرة من هو أكثر من تبع موسى عليهالسلام كما جاء في الخبر (٢). ومصحح الشبهية في هذه الوجوه قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) [المزمل : ٧٣ / ١٥] فاختصّه بالشّبهيّة في الإرسال دون غيره.
فهذه أوجه يتصور فيها التّخصيص بالانحياش والمفاوضة إلى موسى عليهالسلام.
وأما فوائد فرض الصلاة في ذلك المقام فلنذكر منها ما منّ الله تعالى به على جهة الاختصار ، وهي تنقسم أربعة أقسام :
__________________
(١) انظر القرطبي ١٣ / ٢٩١.
(٢) في مسند الإمام أحمد ١ / ٤٢٠ من حديث عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «عرضت عليّ الأنبياء بأممها وأتباعها من أممها ، فجعل النبيّ يمرّ ومعه الثلاثة من أمّته ، والنبيّ معه العصابة من أمّته ، والنبيّ معه النّفر من أمّته ، والنبي معه الرجل من أمته ، والنبيّ ما معه أحد ، حتى مرّ عليّ موسى بن عمران صلىاللهعليهوسلم في كبكبة من بني إسرائيل فلمّا رأيتهم أعجبوني ، قلت : يا رب من هؤلاء ، فقال : هذا أخوك موسى بن عمران ومن معه من بني إسرائيل ، قلت : يا ربّ فأين أمتي؟ قال : انظر عن يمينك ، فإذا الظّراب ظراب مكّة قد سدّ بوجوه الرجال. قلت : من هؤلاء يا رب ، فقال :أمتك ، قلت : رضيت يا ربّ ...» إلى آخر الحديث.