أقربهم منك وأدناهم |
|
إليك من في حفرة أنزلك |
وراح من قبرك مستعجلا |
|
فتّش من فرحته منزلك |
وحلّ ما أخفيت من عقدة |
|
كنت بخيلا أن يراها ملك! |
قال بشر بن الحارث رحمة الله عليه (١) : «لابن آدم في ماله ثلاث حسرات ، يجمعه كلّه ، ويتركه كلّه ، ويسأل عنه كلّه!».
وكما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في خطبة خطبها (٢) : «رفعتم الطّين ، ووضعتم الدّين ، وضيّعتم المساكين ، وتشبّهتم بالدّهاقين ، فألحقتم بالملاعين!».
أيّها المغالط لنفسه ، المتغافل عن هيل التراب عليه في رمسه ، راجع بصيرتك وسدّد نحيزتك (٣) ، وقدّر أنك المطلوب وحدك.
قال الله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ١٩ / ٩٥] يا روّاغ (٤) ، يا خدّاع (لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ). فافرغ إلى عقلك من غمرات (٥) حسّك ، وصيّر يومك خيرا من أمسك ، حذار حذار فجأك الموت ، فبادر إلى التّوبة قبل الفوت. جعلنا الله وإيّاكم ممّن قال وفعل ، وأمر فامتثل ، بفضله بمنّه ، ولا جعلنا ممّن يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه (٦).
وبالله التوفيق وبه أستعين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلّى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما.
__________________
(١) بشر بن الحارث المشهور بالحافي ، من الأئمّة الزهّاد المتصوّفة المحدّثين ، أخذ الحديث عن مالك وشريك وغيرهما ، توفي سنة (٢٢٧). انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٠٠ ـ ٦٤٩ ، وانظر مصادر ترجمته ثمّة.
(٢) لم ترد في نهج البلاغة.
(٣) نحيزة الإنسان : طبيعته.
(٤) الرّوّاغ : الثّعلب. جاء به على التشبيه.
(٥) الغمرات : جمع الغمرة ، وهي الشّدّة ، والازدحام.
(٦) من حديث في كشف الخفاء ٢ / ٥٤٣ ، ونصّه : «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ، وينسى الجذع في عينه».