وَلا تُشْطِطْ) ، والشّطط : الجور ، مع علمهم بأنّ المعصوم يحكم بالحقّ ولا يجور في الحكم ، فتخرج لهم هذه الأقوال إذ هم ملائكة وسفرة معصومون ، مخرج أقوال يوسف ـ عليهالسلام ـ إذ أمر مناديه فنادى : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (١) [يوسف : ١٢ / ٧٠] ، وما كانوا بسارقين ، وقوله ـ عليهالسلام ـ لإخوته : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) [يوسف : ١٢ / ٧٧] ولم يكونوا كذلك ، وأخذ أخاهم على حكمهم لا على حكم الملك ، وما كان له أن يأخذه في دين الملك ، فإنّ الملك كان يقتل السّارق ، ولا في دين إخوته في شريعتهم ، فإنهم كانوا يستعبدون السّارق ، وأخوه لم يكن سارقا.
وجاء في الأخبار أنّه كان ينقر في الصّواع ويقول : إنّ صواعي هذا يخبرني بكذا وكذا ؛ والصّواع لا يخبر ، حتّى قال له بنيامين أخوه : أيّها الملك! سل صواعك يخبرك أحيّ أخي يوسف أم ميّت؟!.
فنقر في الصّواع فقال : هو حيّ وإنّك لتراه وتلقاه ، إلى غير ذلك. فأقام الله تعالى عذره في كلّ ما أخبر عنه وفعله بقوله (٢) : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) [يوسف : ١٢ / ٧٦] ، ومعناه : بذلك أمرناه وأردنا منه.
وارتفع الاعتراض على أنّه : ما أخبر الملائكة ـ عليهمالسلام ـ لداود ـ عليهالسلام ـ إنّما كان على جهة التّجوّز وضرب المثال بأخوّة الإيمان ، إذ ليس في الملائكة ولادة ، وإذا لم يكن ولادة فلا أخوّة نسب.
__________________
ـ ـ وقيل : هذا من الملكين تعريض وتنبيه كقولهم : ضرب زيد عمرا وما كان ضرب ولا نعاج على التحقيق ، كأنه قال : نحن خصمان هذه حالنا!.
(١) العير : الحمير والإبل والبغال ممّا يرحل عليه ويركب. قال مجاهد كانت عيرهم حميرا. والمعنى :يا أصحاب العير كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).
(٢) قيل في تفسير قوله تعالى (كِدْنا لِيُوسُفَ) معناه : صنعنا ودبّرنا.
وفي تفسير القرطبي : وفيه جواز التوصّل إلى أغراض بالحيل إذا لم تخالف الشريعة ، ولا هدمت أصلا ...